الانحرافات المتعلقة بالتمائم

الانحرافات المتعلقة بالتمائم.
عرفنا فيما سبق أن العلماء اتفقوا على عدم جواز التمائم من غير القرآن أو ما لا يكون فيها ذكر الله، بأسمائه، وصفاته كما عرفنا اختلاف العلماء في التمائم والتعاويذ إذا كانت من القرآن الكريم، أو كان فيها ذكر الله بأسمائه وصفاته، وأن الراجح عدم جوازها؛ لأن القول بجواز تعليق التمائم تغيير للسنة الواردة، وهي الرقية بالمعوذات وغيرها، كما قال القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي -رحمه الله-: ((تعليق القرآن ليس من طريق السنة، وإنما السنة فيه الذكر دون التعليق)) ( )[1].
كما أن القول بتعليق التمائم من القرآن متردد بين الجواز والتحريم، ولم ينقل عن أحد استحبابه فضلا عن وجوبه، والأمر إذا دار بين الإباحة والتحريم، فعلى المسلم أن يجتـنبه براءة للدين، كما قال النبي  ((فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) ( )[2].فينبغي أن يجتنب تعليق التمائم من القرآن سدا للذريعة.
ولكن انحرف بعض الناس فيعلقون التمائم المتفق على تحريمها، وبعضهم يريدون الدجل على الناس لأخذ أموالهم، فإن وَجَدَ شبهةً روجها على ضعفاء العقول، وإلا كذب لهم كذبا محضا، وأقسم لهم بالله إنه لهم لمن الناصحين؛ فيصدقونه لحسن ظنهم به.
ويمكن تقسيم الانحرافات المتعلقة بالتمائم إلى ما يلي:
الانحراف الأول: نسبة كتابة التمائم إلى النبي .
تجرأ بعض الناس فنسبوا كتابة التمائم إلى النبي ، وأنه أمر علي بن أبي طالب  أن يكتب حرزا لأبي دجانة( ) [3]فكان النبي  يُملي وعليٌّ يكتب.
ومستندهم في ذلك الرواية الموضوعة وهي عن أبي دجانة  قال: شكوت إلى رسول الله  فقلت: يا رسول الله! بينما أنا مضطجع في فراشي، إذ سمعت في داري صريرا كصرير الرحى، ودويّا كدوِيّ النحل، ولمعاً كلمع البرق؛ فرفعت رأسي فزعا مرعوبا، فإذا أنا بظل أسود مولى يعلو، ويطول في صحن داري، فأهويت إليه فمسست جلده، فإذا جلده كجلد القنفذ، فرمى في وجهي مثل شرر النار، فظننت أنه قد أحرقني، وأحرق داري، فقال رسول الله : «عامرك عامر سوء يا أبا دجانة! ورب الكعبة، ومثلك يؤذى يا أبا دجانة؟!» ثم قال: ائتوني بدواة وقرطاس، فأتي بهما فناوله علي بن أبي طالب وقال: «اكتب يا أبا الحسن».فقال: وما أكتب؟ قال:«اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد رسول رب العالمين ، إلى من طرق الدار من العمار والزوار والصالحين، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.أما بعد: فإن لنا ولكم في الحق سعة، فإن تك عاشقا مولعا، أو فاجرا مقتحما، أو راغبا حقا أو مبطلا، هذا كتاب الله تبارك وتعالى ينطق علينا، وعليكم بالحق،   •      ( )[4]، ورسلنا يكتبون ما تمكرون، اتركوا صاحب كتابي هذا، وانطلقوا إلى عبدة الأصنام، وإلى من يزعم أن مع الله إلها آخر                 ( )[5]يغلبون» حم «لا ينصرون،     ( )[6]، تفرق أعداء الله، وبلغت حجة الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله         ( )[7].قال أبو دجانة: فأخذت الكتاب فأدرجته وحملته إلى داري، وجعلته تحت رأسي وبت ليلتي فما انتبهت إلا من صراخ صارخ يقول: يا أبا دجانة! أحرقتنا واللات والعزى الكلمات، بحق صاحبك لما رفعت عنا هذا الكتاب، فلا عود لنا في دارك، وقال غيره: في أذاك، ولا في جوارك، ولا في موضع يكون فيه هذا الكتاب. قال أبو دجانة: فقلت: لا، وحق صاحبي رسول الله  لا أرفعنّه حتى أستأمر رسول الله ، قال أبو دجانة: فلقد طالت عليَّ ليلتي بما سمعت من أنين الجن وصراخهم وبكائهم، حتى أصبحت فغدوت، فصليت الصبح مع رسول الله ، وأخبرته بما سمعت من الجن ليلتي، وما قلت لهم. فقال لي: «يا أبا دجانة! ارفع عن القوم، فو الذي بعثني بالحق نبيا، إنهم ليجدون أَلَم العذاب إلى يوم القيامة»( )[8].
ا المبحث الثالث

موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بالتمائم.

قد سبق وأن عرفنا أن التمائم ليست نوعا واحدا، فلا يحكم على جميعها حكم واحد، فما كان منها من القرآن الكريم، أو فيها ذكر الله بأسمائه وصفاته؛ فهذا ليس بشرك، وفي تعليقها اختلفت أقوال السلف، وأرجحها عدم الجواز، وقد تقدم تفصيله في المبحث الأول.
وأما التمائم التي ليست من القرآن الكريم ، أو ليس فيها ذكر الله  فالجميع متفقون على عدم جوازها لعموم قول النبي  ((إن الرقى والتمائم والتِولة شرك))( )[9]. ولقوله : ((من علَّق تميمةً؛ فقد أشرك))( )[10].وقوله : ((من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة( ) [11]فلا ودع الله( ) [12]له))( )[13].
وأما ما نسبهُ المخالف إلى النبي  أنه أمر عليا  أن يكتب حرزا لأبي دجانة  فكلام باطل؛ لأنه لم يثبت عن النبي  أنه أمر أحدا أن يكتب التمائم لأحد من الناس، والحرز المنسوب إلى أبي دجانة ، يروى بطريقين:
1- رواية البيهقي بسنده إلى أبي دجانه  أنه شكى إلى النبي  ....
2- رواية ابن الجوزي بسنده إلى موسى الأنصاري أن أبا دجانة شكى إلى رسول الله...
والحديث بكلا السندين موضوع مختلق، ولا يوجد في الصحابة من اسمه موسى والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وأعقبه بقوله: ((موضوع وإسناده مقطوع، وأكثر رجاله مجاهيل))( )[14].
وذكره أيضا السيوطي -رحمه الله- في اللآلي المصنوعة وقال Sad

(حديث موضوع بلا شك)) ( )[15].
وقال الصغاني -رحمه الله-: ((حرز أبي دجانة واسمه سماك بن خرشة، موضوع)) ( )[16].
وقال الذهبي -رحمه الله-: ((حرز أبي دجانة شيء لم يصح، ما أدري من وضعه؟)) ( )[17].
وقال البيهقي -رحمه الله-: ((وقد رُوِي في حرز أبي دجانة حديث طويل، وهو موضوع لا تحل روايته)) ( )[18].
وقال ابن عبد البر وابن الأثير -رحمهما الله-: وإسناد حديث أبي دجانة في الحرز المنسوب إليه ضعيف( )[19]، والصحيح أن روايتي البيهقي وابن الجوزي موضوعتان قطعا( )[20].
والحديث الموضوع لا يصح الاستدلال به، ولا روايته إلا لبيان وضعه، والتحذير منه( )[21].

الهوامش:
( )[1] عارضة الأحوذي لأبي بكر ابن العربي المالكي كتاب الطب باب أخذ الأجر على التعويذ 8/222(ح2068).
( ) [2]تقدم تخريج الحديث في فصل الذكر ص: 471.
( )[3] أبو دجانة: سماك بن خرشة. ويقال سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان بن عبد ود أبو دجانة الأنصاري، هو مشهور بكنيته، وكان أحد الشجعان له مقامات محمودة في مغازي رسول الله  وهو من كبار الأنصار استشهد يوم اليمامة، وقد قيل: إنه عاش حتى شهد مع علي بن أبي طالب  صفين والله أعلم، وإسناد حديثه في الحرز المنسوب إليه ضعيف. يُنظر: الاستيعاب لابن عبد البر2/652(ت1060)، وأسد الغابة لأبن الأثير2/550(ت2236).
( )[4] سورة الجاثية (29).
( ) [5]سورة القصص (88).
( )[6] سورة الشورى (1-2).
( )[7] سورة البقرة (137).
( )[8] فتح العزيز في جواز التعويذ ضمن كتاب مخزن الدلائل لمحمد فاضل عتيق ص: 6-8، محيلا إلى دلائل النبوة للبيهقي7/119.( وهو حديث موضوع مختلق على رسول الله  كما سيأتي في بيان موقف الإسلام من هذا الانحراف.
( )[9] تقدم تخريجه في ص:738، 946.
( )[10] تقدم تخريجه في ص:951.
( ) [11]الوَدَعةُ: شيء أبيض يجلب من البحر، يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم، وإنما نهي عنها؛ لأنهم كانوا يعلّقونها مخافة العين. النهاية لابن الأثير 2/836.
( ) [12]قوله لا ودع الله له: أي لا جعله الله في دَعَةٍ وسكون، وقيل هو لفظ مبني من الوَدَعة: أي لا خفَّفَ الله عنه ما يخافه. النهاية لابن الأثير 2/836.
( ) [13]رواه أحمد 4/154 (ح17440) وأبو يعلى3/295 (ح1759) والطبراني في الكبير 17/297 (ح820) وابن حبان 13/450 (ح6086)، وقال الهيثمي -رحمه الله-: رجالهم ثقات.يُنظر: مجمع الزوائد باب من يعلق تميمة5/ 175.
( ) [14]الموضوعات لابن الجوزي 3/426(1660).
( ) [15]اللآلي المصنوعة للسيوطي 2/347.
( ) [16]موضوعات الصغاني ص: 29(13).
( )[17] سير أعلام النبلاء للذهبي1/245(39) في ترجمة أبي دجانة الأنصاري.
( ) [18]دلائل النبوة للبيهقي جُمّاع أبواب كيفية نزول الوحي، حرز أبي دجانة 7/118.
( ) [19]الاستيعاب لابن عبد البر2/652، وأسد الغابة لأبن الأثير2/551 في ترجمة أبي دجانة .
( ) [20]يُنظر: الأحاديث الموضوعة التي تنافي توحيد العبادة لأسامة بن عطاء عثمان 2/387(184)، وتنـزيه الشريعة لابن عراق الكناني بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق 2/325(51)الحاشية رقم (1)، والموضوعات لابن الجوزي بتحقيق الدكتور نور الدين جيلار3/426 حاشية(3).
( )[21] الحديث الموضوع وحكم الاحتجاج به للحضير ص: 147.

انظر: كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج2 ص: 952-955وص 969-971).

» الانحرافات المتعلقة بالنذر
» الانحرافات المتعلقة بالحلف
» الانحرافات المتعلقة بالرقى
» الانحرافات المتعلقة بالاعتكاف.
» الانحرافات المتعلقة بالطواف