المبحث الثالث
موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بالركوع والسجود.
إن الركوع والسجود من أجل العبادات، و يتقرب العبد بهما إلى ربه، وتتساقط عنه الذنوب، لأنهما يدلان على غاية الخضوع والتذلل، وهما من صميم معاني العبودية ولبّها، قال الله تعالى: ( )[1].
وقال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إن العبد إذا قام يُصلِّي أُتي بذنوبه، فجعلت على رأسه وعاتقه؛ فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه)) ( )[2].
وقال النبي : ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) ( )[3]؛ قال النووي -رحمه الله-: ((لأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى، وفيها تمكين أعزّ أعضاء الإنسان وأعلاها -وهو وجهه- من التراب الذي يداس ويمتهن))( )[4].
ولا عجب في هذا، لأن مَنْ طأطأ رأسه انكسارا وخضوعا وأنزله إلى الأرض-مع أنه أشرف الأعضاء وأرفعها- فقد أظهر الخضوع التام، وبالغ في التذلل، وأقرَّ بالعبودية لمن يركع ويسجد له.
ومن هنا نرى بعض الفقهاء لا يوجبون الذكر في ركوع الصلاة وسجودها؛ لأن كلا منهما خضوع في نفسه لا يستباح إلا للخالق دون المخلوق، فلم يحتج إلى ذكر يُمَيِّزه عن أفعال المخلوقين بخلاف القيام والقعود، فإنهما مما تشترك فيه العبادة والعادة، فاشترط فيهما الذكر لتمتاز العبادة عن العادة( )[5].
وقد حرم الشرع الركوع والسجود لغير الله، قال الله تعالى: • ( )[6].وقال تعالى: ( )[7]، وأمر الله بهما مريمَ -عليها السلام- قال تعالى: ( )[8]. وقال النبي : ((ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد)) ( )[9]، وقال : ((لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها...))( )[10].
هذه الأدلة وغيرها تنص على تحريم الركوع والسجود لغير الله ، ومنها يعلم موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بالركوع والسجود إجماعا، وأما التفصيل فهو كالآتي:
الهوامش
( )[1] سورة العلق (19).
( )[2] صحيح ابن حبان مع الإحسان لابن بلبان كتاب الصلاة باب فضل الصلوات الخمس 5/26 (ح1734) وشعب الإيمان للبيهقي في كتاب الصلاة باب21 تحسين الصلاة والإكثار منها3/145(ح3146) وتعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي تحت عنوان: تساقط الذنوب بالركوع والسجود ص: 199(ح293). وصححه الألباني، وشعيب الأرنؤوط، وأبو مالك.يُنظر: السلسلة الصحيحة للألباني 3/387(ح 1398)، وتحقيق أبي مالك على تعظيم قدر الصلاة ص: 199، وتحقيق شعيب الأرنؤوط على الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لابن بلبان 5/26(ح1734).
( )[3] صحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب الصلاة، باب ما يقول في الركوع والسجود 4/432(ح1083).
( )[4] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي كتاب الصلاة باب فضل السجود 4/429 عند شرحه لحديث رقم (1093).
( )[5] وقد عرفنا في تعريف الركوع والسجود شرعا، أن الإمام أبا حنيفة -رحمه الله- لا يقول بركنية الطمأنينة فيهما، فمن باب أولى أن لا يقول بوجوب الذكر فيهما، وقد صرح ابن عابدين-رحمه الله- في رد المحتار (1/513)و (1/543)على أن الذكر في الركوع والسجود من سنن الصلاة، ((فلو تركه، أو نقصه كره تنـزيهًا)).ويُنظر كذلك: المجموع شرح المهذب للنووي صفة الركوع 3/381، وصفة السجود 3/408، والحاوي الكبير للماوردي2/119.
( )[6] سورة فصلت (37).
( )[7] سورة الحج (77).
( )[8] سورة آل عمران (43).
( )[9] أخرجه ابن حبان في صحيحه كتاب النكاح باب معاشرة الزوجين9/470 (ح4162)، وقال محققه شعيب الأرنؤوط: ((حديث صحيح)).
( )[10] تقدم تخريجه ص: 772،و 784.
انظر: كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج2 ص781-783)