بسم الله الرحمن الرحيم
مصدر التلقي في الأصول والفروع هو الكتاب والسنة، وفق فهم السلف الصالح
يجب على المسلم أن يربط عقيدته وسائر أمور دينه بكلام الله وكلام رسوله . فيكون مصدره في كل ذلك القرآن والسنة؛ لأنهما مصدر الدين, فما كان فيهما فهو الدين، وما ليس فيهما فهو ليس من الدين- عظم شأنه أو حقُر- كما أن العقيدة جلّها أمور غيبية لا يستقل العقل بمعرفتها وإدراكها, فوجب الرجوع في ذلك إلى خبر العليم الحكيم وإلى خبر من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى, والوقوف عند ذلك وعدم تجاوزه إلى غيره.
وقد أمر الله بالتزام ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة فقال تعالى(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) [الأعراف: ٣]
وقال تعالى
ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) [الأنفال: ٢4 ].
وقال تعالى
واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) [الأحزاب: ٢].
أما الأدلة الموجبة لالتزام بالسنة فكثيرة, منها قول الله
قل إن كتنم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) [آل عمران: ٣١].
وقوله تعالى
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)[النور: ٦٣]
وقال تعالى(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)النساء: ٦٥]
وقال تعالى
وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب)[الحشر: ٧].
وأما الأحاديث عن النبي فكثيرة منها:
1- حديث أبي هريرة أنه سمع رسول الله أنه يقول: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم (رواه مسلم).
2- وحديث العرباض بن سارية قال وعظنا رسول الله موعظة زرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا يا رسول الله ! كأنها موعظة مودعٍ، فأوصنا( وفي رواية) فما تعهد إلينا) قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ولا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، وفي رواية: أوصيكم بتقوى الله والطاعة والسمع، وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة(أخرجه الآجري في الشريعة، وأحمد والترمذي وقال حسن صحيح).
ويشترط أن يكون الأخذ بالنصوص وفق فهم السلف الصالح، والعصمة في علومهم، والنجاة في سلوك سبيلهم؛ لأنهم أعلم الناس علماً، وأحكمهم طريقة, وأسلمهم منهجاً، لقربهم من منبع الوحي زمنا، وأحرص الخلق متابعة للنبـي , وقد رضي الله عنهم لاستقامتهم واستقامة منهجهم قال تعالى(والسابقون الأولون من المهجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسن رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدلهم جنت تجري من تحتها الأنهار خلدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) [التوبة: ١٠٠].
ومن الأدلة على وجوب التزام فهم سلف الصالح للنصوص:
قول الله تعالى
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)[النساء: ١١٥]. ففي هذه الآية دلالة واضحة على اقتفاء أثر الصاحبة والتزام منهجهم في فهم النصوص، إذ هم أعدل هذه الأمة وأفضلها وأعلمها بدين الله , ثم من سلك نهجم من أئمة الإسلام وأعلام الهدى، ووعد الله تعالى الذين يتركون منهجهم وسبيلهم في جميع الأمور ومنها فهمهم للنصوص.
أما الأحاديث الدالة على التزام منهجهم وفهمهم للنصوص فكثيرة، منها:
حديث العرباض السابق وجاء فيه : عليكم" بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" فقد أخبر رسول الله في هذا الحديث بوقوع الاختلاف, وأمر عند الاختلاف بلزوم منهج خلفائه الراشدين. ولا شك أن الخلفاء الراشدين هم أفضل سلف هذه الأمة بعد نبيها . ثم يلحق بهم غيرهم من الصحابة -رضوان الله عليهم- بورود الإشارة على لزوم منهجهم وطريقتهم عموما، في الآية السابقة(ويتبع غير سبيل المؤمنين) [النساء: ١١٥] .
ومنها: حديث افتراق الأمة, وجاء فيه عن النبي : " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل: تفرق بنو إسرائيل على اثنين وسبعين ملة, وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين-تزيد عليهم-كلها في النار إلا ملة واحدة, فقالوا: من هذه الملة الواحدة؟ قال: ما أنا عليها وأصحابي, "وفي رواية" ما أنا عليه اليوم وأصحابي "وفي رواية ""الجماعة "وفي رواية إلا السواد الأعظم" ( أخرجه الآجري في الشريعة وهي مخرجة في السنن الترمذي وأبي داود وغيرهم). وهذا النص يدل على أن المخرج عند الاختلاف هو في لزوم منهج الصحابة وفهمهم للنصوص، ولا شك أن الصحابة رأس الجماعة التي ذكر في الرواية الأخرى.
وقد حصل بالفعل الاختلاف في أواخر عصر الصحابة لما حدثت ووردت فهوم أخرى، وبعضها كانت ناتجا عن الهوى والأخرى مستوردة من الفلاسفة وغيرهم فتفرقت الأمة إلى الجهمية والقدرية، والمعتزلة وغيرهم. مع أن كل منهم يستدل بالقرآن والسنة، كاعتقاد أن الله لا يوصف بصفة ثبوتية، ويوصف بالسلوب، أو أن التنـزيه يعني نفي جميع الصفات وغير ذلك فمن المعتقدات الباطلة، إذ هم فهموا النصوص على غير فهم الصحابة الكرام.
وإذا نظرنا في فهم الصحابة فهُم لم يختلفوا في إثبات شيء مما ورد في الكتاب أو السنة، والتزم ذلك الفهم التابعون للصحابة بإحسان، علمنا صراحة أن النجاة والفلاح في الأخذ بالنصوص وفق فهم السلف الصالح .
وقد حث كثير من سلف الأمة على التزام منهج السلف الصالح وفهمهم للنصوص، منها:
قول أبن مسعود ، (وروي مثله عن الحسن البصري): من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرِفوا لهم قدرهم وحقهم وفضلهم فقد كانوا على الهدى المستقيم( جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر).
وقال أبو العالية- رحمه الله-: عليكم بالصراط المستقيم ولا تحرِفوا الصراط يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنة نبيكم والذي عليها أصحابه...ثم قال وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس عداوة. قال الحسن البصري لما بلعه: صدق ونصح. (الشريعة للآجري).
والذي يدل على وجوب إتباع الكتاب والسنة بناء على فهم السلف وأنهما المرجع في الأصول والفروع- ومن أعظم الأصول علم توحيد الأسماء والصفات.