الفرع السادس: الإعراض عن فهم السلف الصالح والتفسير بالمأثور.
إن من أسباب الانحرافات العقدية عموما، وما يتعلق منها بتوحيد العبادة خصوصاً، الإعراض عن فهم السلف للنصوص، وعدم الرجوع إلى أقوال الصحابة والتابعين في تفسير الآيات والآثار، ولا شك أن العصمة في علومهم، والنجاة في سلوك سبيلهم؛ لأنهم أعلم الناس علماً، وأحكمهم طريقة, وأسلمهم منهجاً، لقربهم من منبع الوحي زمنا، وأحرص الخلق على متابعة النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال ابن تيمية-رحمه الله-: ((من فسّر القرآن والحديث، وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين؛ فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرّف للكلم عن مواضعه، هذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام))( )[1].
وقال ابن عبد الهادي( )[2]-رحمه الله-: ((ولا يجوز إحداث تأويلٍ في آية أو سنة, لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه، ولا بيّنوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر))( )[3].
ومن أمثلة الإعراض عن فهم السلف والتفسير المأثور للنصوص، ما قال بعضهم في قول الله تعالى: ( )[4]: إن آدم رأى مكتوبا على ساق العرش محمد رسول الله فتشفع بذلك فهي الكلمات( )[5].
فهم لم يرجعوا إلى فهم السلف وما رُوي عنهم( )[6]في تفسير الآية، أن هذه الكلمات مفسرة بقوله تعالى: • ( )[7].
فإعراضهم عن فهم السلف والمأثور عنهم، أدى إلى انحرافات تتعلق بتوحيد العبادة، كالتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين وغيرهم.
وكذلك لم يرجعوا إلى فهم السلف والتفسير المأثور في قوله تعالى: ( )[8].
فقالوا: ( إن الاحتفال سرورا بمجيء الحضور( ) [9] خير من التجميع، يعني أيها الناس إن كنتم تجمعون المال، وتمتلكون الأراضي، والمنشئات، وتنشئون المصانع، وتدّخرون القناطير من الذهب، أو تعملون الأعمال لتجمعوا الأجر والثواب، وتدخرون السجدات والركوعات، أو تجمعون أجور العبادات، أو أي شيء آخر، اسمعوا! فالأفضل من ذلك كله بكثير، أن تحتفلوا فرحا كالعيد بمجيء الحضور، شكرا به، وبهذا [الاحتفال] ابذلوا أموالكم، لأن ذات النبي هي النعمة الكبرى من الله تعالى وأداء الشكر لهذه النعمة المعطاة ضروري)( )[10].
فسبب هذه الانحرافات وغيرها، إنما هو عدم الرجوع إلى فهم السلف وعدم تفسير النصوص بالمأثور، نسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.
الهوامش:
( )[1] مجموع فتاوى ابن تيمية13/243.
( ) [2]ابن عبد الهادي: هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الصالحي، المحدث الماهر في الجرح والتعديل، ولد سنة705هـ وتوفي سنة 744هـ.له حوالي خمسين مؤلفاً، ينظر ترجمته في الوافي بالوفيات للصفدي 2/113.و الدرر الكامنة لابن حجر 3/131(888)، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص: 520( 1149).
( )[3] الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبد الهادي ص:318.
( ) [4]سورة البقرة (37).
( ) [5]الفائدة الجميلة ص: 22، 23.
( ) [6]روي هذا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، والربيع بن أنس, الحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ينظر: تفسير ابن كثير1/370.
( )[7] سورة الأعراف(32).
( ) [8]سورة يونس(58).
( )[9] يستعملون للنبي كلمة (حضور) لاعتقاد بعضهم أنه حاضر معهم وفي كل مكان، كما سيأتي في فصل التعظيم كلامهم مفصلا. ينظر: ص: 332، و358.
( )[10] ((جشن عيد ميلاد النبي)) لهمايون رشيد ص: 9.
الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:108-110)