النوع الثاني: نسبة العبودية إلى صفة من صفات الله .
وقد يخطئ البعض وينسب العبودية إلى صفة من صفات الله، فيسمي بأسماء فيها نسبة العبودية إلى صفة من صفات الله، كالتسمية بعبد الكلام، وعبد الجلال، وعبد الإكرام، ونحوها من الأسماء التي فيها نسبة العبودية إلى صفة من صفات الله وهذا وإن كان أخف من نسبة العبودية إلى مخلوق من مخلوقات الله ، لكنها غير جائزة مثلها( )[1].
موقف الإسلام من انحرافات النوع الثاني: وهو التعبيد في الأسماء لصفة من صفات الله .
لم تثبت التسمية بالتعبيد لصفة من صفات الله في القرون المفضلة، لأن في التعبيد للصفة، نسبة العبودية إلى ذلك الصفة، وهذا النوع من الانحرافات وإن كان أخف من التعبيد للمخلوقين، لكن التسمية بها غير جائزة مثل التسمية التي فيها التعبيد لمخلوق من مخلوقات الله، وسبب هذه التسميات الجهل -غالبا- وعدم التمييز بين جواز إضافة العبودية إلى اسم من أسماء الله , ومنع جوازها إلى صفة من صفاته ، وهذا أحد الفروق التي يُفَرّق بها بين أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فيجوز التعبيد إلى اسم من أسماء الله بأن يسمى رجل بعبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم وعبد السميع ونحوها، ولا يجوز أن يسمى رجل بعبد الرحمة ولا عبد السمع، ولا عبد الكلام، ولا عبد الجلال، ولا عبد الكرم، أو عبد الإكرام ونحوها من التسميات التي فيها التعبيد لصفات الله العليا.
وذلك لأن الصفة غير الموصوف باعتبار أن الصفة ليست عين ذات الموصوف التي يفرضها الذهن مجردة، بل هي غيرها، فمثلا الرحيم: ذات موصوفة بصفة الرحمة، والرحمة غير ذلك الذات التي وصفت بالرحمة، والسميع: ذات وُصفت بصفة السمع، والسمع غير الذات الموصوفة بالسمع، والمتكلم: يدل على صفة وذات متكلمة، ومعلوم أن الكلام غير المتكلم، وهكذا جميع الصفات التي وصف بها الرب فالغفور غير المغفرة، والكريم غير الكرم؛ فيصح التعبيد للذات، ولا يصح التعبيد للصفة؛ ويصح أن يسمى رجل بعبد الرحيم، ولا يصح أن يسمى بعبد الرحمة، أو يسمى بعبد الغفور، ولا يصح أن يسمى بعبد المغفرة، أو يسمى بعبد الكريم، ولا يصح أن يسمى بعبد الكرم.
وهذا مثل الدعاء والنداء، فيصح أن يقول أحد: يا غفور اغفر لي، ويا رحمن ارحمني، ولا يصح أن يقول: يا مغفرة الله اغفر لي، ويا رحمة الله ارحمني. كما لا يصح أن يقال: عبد المغفرة وعبد الرحمة. مع أنه لا تتصور ذات مجردة من الصفات، ولا صفات قائمة بنفسها مستقلة عن الذات، بل لابد أن تكون الذات متصفة بالصفات، وأن تكون الصفات قائمة بالذات هذا من جهة.
ومن جهة أخرى من يتعبد لصفة من صفات الله ، فلم يتعبد لله تعالى، لأن الله متصف بجميع صفات الكمال، لا ببعضها، فمن يتعبد لبعض صفاته، فلم يتعبد لله، وإنما تعبد لتلك الصفة فقط، لا الموصوف بها.
سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- سؤالا قريبا من هذا: هل عبادة الإنسان لصفة من صفات الله يعد من الشرك وكذلك دعاؤها؟
فأجاب -رحمه الله- بقوله: ((عبادة الإنسان لصفة من صفات الله، أو
دعاؤه لصفة من صفات الله من الشرك، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لأن الصفة غير الموصوف بلا شك، وإن كانت هي وصفه، وقد تكون لازمة، وغير لازمة، لكن هي بلا شك غير الموصوف، فقوة الإنسان غير الإنسان، وعزة الإنسان غير الإنسان، وكلام الإنسان غير الإنسان، كذلك قدرة الله ليست هي الله، بل هي صفة من صفاته فلو تعبد الإنسان لصفة من صفات الله لم يكن متعبداً لله؛ وإنما تعبد لهذه الصفة لا لله والإنسان إنما يتعبد لله . • ( )[2]والله موصوف بجميع صفاته فإذا عبدت صفة من صفاته لم تكن عبدت الله ؛ لأن الله موصوف بجميع الصفات))( )[3].
ـــــــــــــــــ
الهامش:
( )[1] هذه نماذج مما يتعلق بالعبودية لغير الله في الأسماء، ويوجد البعض من الأسماء ليست فيها نسبة العبودية إلى غير الله، لكنها أسماء شركية؛ لِمَا فيها نوع من الشرك في الربوبية، مثل: (پير بخش)، بمعنى عطية شيخ الطريقة، أو عطاءُ الشيخ، و(ولي بخش)، بمعنى عطية الولي، و(سخي داد)، بمعنى عطية السخي، و(فضل محمد)، و(فضل نبي)، و(عطا محمد) و(نظر محمد)، و(نظر حسين)، و(فيض محمد) ونحوها.
( ) [2]سورة الأنعام (162).
( )[3] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 2/164(244).
انظر: موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة, تأليف: عبد الرزاق محمد بشر, ج2 ص754و 761-763.