المرتبة الثالثة: إنكار المنكر بالقلب
إن إنكار المنكر بالقلب مسؤولية كل مكلف، ولذلك لم يشترط النبي r لهذه المرتبة الاستطاعة، كما اشترطها للمرتبتين السابقتين؛ لأنه r قال: ((من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))( )[1].
ويوضح هذا المعنى قول النبي r: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل))( )[2].
وإنكار المنكر بالقلب يكون بأن يكره الإنسانُ المنكرَ ومرتكبَه بقلبه، وأن يبغضه وأن يتمنى إزالته، ولو استطاع لقام بإزالته، وإن لم ينكره بالقلب؛ فيُخاف على إيمانه والعياذ بالله.
فيجب على كل مسلم إذا رأي انحرافا، وخاصة ما يتعلق بتوحيد العبادة ولا يستطيع تغييره باليد واللسان، أن ينكره بقلبه، ولا يشارك في ذلك الانحراف لا بماله ولا ببدنه ولا برأيه، ولا بغير ذلك، فإن أنكر فقد نجا وساعد في معالجة الانحرافات بما استطاع، وقد أدى ما عليه، و إلا فهو على خطر عظيم، نسأل الله السلامة.
تنبيه: ينبغي في تغيير المنكر إذا ظهر، تقديم إزالة ما ضرره متعدٍ أو خطره أشد من غيره، وكذا مراعاة المراتب السابقة، وأن يباشر أصحاب اختصاص كل مرتبة، ما يلزمهم من التغيير، وأن لا يتدخّل أحد في ما يخص غيره، وإلا سيترتب على تغيير المنكر الذي ليس من اختصاص المغيِّر منكرٌ أعظم منه، ومفسدة لا تُحمد عقباها، فينبغي التريّث والتدبر في تغيير المنكر، وأن يأخذ بما يناسب التغيير من الوسائل والأساليب، حتى يعالج الانحرافات ولا يتسبب في نشر الفساد والمخالفات، فيجني على نفسه، أو على الأمة الإسلامية، إذا لم يترك الأمر لأهل الاختصاص، ولم يأخذ بالحكمة التي تناسب الحال والمكان، إذ لكل مقام مقال، ولكلِّ فنٍ رجال.
الهوامش:
( ) [1]صحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان 2/211 (ح175).
( )[2] صحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان 2/216(ح177).
الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:196-197)