الاعتماد على الكشف والمراقبات والمشاهدات والاستدلال بها

الفرع التاسع: الاعتماد على الكشف( )والمراقبات( )والمشاهدات( ) والاستدلال بها.
من أسباب الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة، الاعتماد والاستدلال بالكشف والمشاهدات، مع أنها ليست من المصادر وإنما مصادر العقيدة الكتاب والسنة.
يقول علي الهجويري( )مستدلا بإمكان مشاهدتهم الباري  في الدنيا: المشاهدة في الدنيا مثل الرؤية في العقبى؛ ولمّا ثبت بإجماع أهل الشريعة، رؤية الباري في العقبى؛ جازت مشاهدته في الدنيا أيضا، ولا يكون هناك فرق بين مخبر يخبر عن مشاهدة العقبى، ومخبر يخبر عن مشاهدة الدنيا( ).
وبناء على المشاهدة المزعومة؛ يروون مباشرة عن الله بدون واسطة، ويستدلون بذلك على ما يريدونه!
فمن ذلك قولهمإن علي الهجويري-رحمه الله-لما نزل بلاهور( ): بنى مسجداً ولكنه كان مائلا إلى جهة الجنوب( )؛ فعلماء مدينة لاهور اعترضوا عليه، والشيخ ساكت؛ فلما اكتمل بناء المسجد، جمع علماء المدينة كلهم، وصلى بهم إماماً، ثم قال للحاضرين: انظروا إلى أيـّة جهة تقع كعبة الله؟!
وفي الوقت نفسه كُشِفَتْ ستائر القلوب، وظهر لهم الكعبة مقابل المسجد، ورآها الحاضرون، وتابوا عن اعتراضهم) ( ).

ومن أمثلة الاعتماد على الكشف والمراقبة والاستدلال بها، ما يذكرونه عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي( )-رحمه الله-أنه كان يريد الحج فركب في السفينة وفي وسط البحر جاء تها ريح عاصف،[وجاءهم الموج من كل مكان] وكادت السفينة أن تغرق؛ فدخل الشيخ أبو الحسن الشاذلي في المراقبة؛ فلقي النبي صلى الله عليه وسلم حال المراقبة؛ فعلمه دعاء حزب البحر( )، وهو حزب معروف بين الصوفية( ) ومشايخهم( ). وجعلوا لهذا الدعاء شروطا مخترعة من لِبس لباس الإحرام، والصلاة، والصوم، والاعتكاف، وتحريم اللحم، والحليب، والحلويات، وغيرها، وجعلوا لها طريقة مخترعة للإتيان بدعاء(حزب البحر)بأن يقوله في الليل مرات عديدة، وبعد الإفطار من الصوم، ويعتكف ستة أيام، أو اثنا عشر يومًا، أو يقولها بدون الاعتكاف لمدة سنة كاملة من غير قضاء( ).
كان السبب الأعظم والعامل الأساسي لكثير من هذه الانحرافات، هو الاستدلال بالكشف( ).

الهوامش:
( ) الكشف: لغة رفع الحجاب وفي اصطلاح الصوفية، هو الإطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجوداً وشهوداً.التعريفات للجرجاني ص:235.
( ) المراقبات: جمع مراقبة وكيفيتها عند الصوفية: أن يجلس السالك في زاوية بعيدا عن الدنيا كلها مسقبل القبلة، في حالة الوضوء، غامضا عينيه، خافضا الرأس، ويتخيل لمدة قليلة، أنه لا أرض ولا سماء، لا إنسان ولا حيوان ولا شيطان، ولا شيء أصلا، إلا رحمة الله فقط تأتيني وتستقر في قلبي و تُنَوِّر ظلماتِ قلبي وسواده وتذكر قلبي الله الله الله.ينظر((تصوف أو سلوك )) لذوالفقار أحمد النقشبندي ص: 155.
( ) المشاهدات: جمع مشاهدة وحقيقتها عند الصوغية على قسمين: أحدهما صحة اليقين، والثاني أن يصل في العشق والمحبة إلى درجةٍ، يتجّسد له جميع الكائنات جَسَدَ المحبوب الحقيقي، فلا يشاهد غير المحبوب شيئا. ينظر كشف المحجوب لعلي هجويري ترجمه محمد عباس قادرية ص: (419-420). وهذا النوع الثاني من المشاهدة: من عقيدة وحدة الوجود.
( ) الهَجْوَيرِي: وهو أبو الحسن علي بن عثمان بن علي الهجويري أصله من هجوير من مضافات غزنة بأفغانستان من كبار صوفية القرن الخامس وقبره في مدينة لاهور باكستان وهو معروف عند الجمهور من باكستان بـ((داتا گنْج بخش)) مُهْدِي الكنـز، خصص له يوم في العام تراق عليه الألبان، ويوم في العام يغسل بماء الورد والطيب، يقوم بتغسيله بعض السادة والقادة. يُنظر: ترجمته في مقدمة كتابه كشف المحجوب المترجم فقير محمد عباس قادرية ص:17-27، دمعة على التوحيد بحث إسماعيل بن عتيق ص: 56.
( ) كشف المحجوب المترجم محمد عباس قادرية ص:422.وبهذه المشاهدة إما يقصدون((وحدة الوجود)) فيرون جميع المخلوقات مظاهر للرب-سبحانه وتعالى عما يقولونه علوا كبيرا-أو يفضلون أنفسهم من موسى  وغيره من الأنبياء حيث إنهم لم يروه في الدنيا وهؤلاء الصوفية يَدَّعُون مشاهدته.
( ) مدينة كبيرة، وهي عاصمة إقليم بنجاب (باكستان).
( ) والقبلة في دولة باكستان إلى جهة الغرب.
( ) مقدمة كشف المحجوب لمترجم فقير محمد عباس قادرية ص:21.
( ) الشاذلي: هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار أبو الحسن الشاذلي.وشاذلة قرية بأفريقية.المغربي الزاهد نزيل الإسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية، له شعر ونثر فيه متشابهات وعبارات، يتكلف له في الاعتذار عنها.وكان الشاذلي ضريراً حج مرات، وتوفي بصحراء عيذاب قاصد الحج، فدفن هناك في أول ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مائة.وللشيخ تقي الدين ابن تيمية مصنف في الرد على ما قاله الشاذلي في الحزب.ينظر: الوافي في الوفيات21/412، رقم الترجمة(139)، شذرات الذهب لابن عماد5/278، الأعلام للزركلي4/305.
( ) وهو دعاء منسوب إلى أبي الحسن الشاذلي-رحمه الله-، وقد أفرد لها بعض الناس كتيبات مستقلة بأحجام مختلفة، لتسهيل الدعاء به، وليتداول بين الناس، ودعاء حزب البحر دعاء معروف بين الصوفية يبدأ بقوله: اللهم يا عليُّ ياعظيم...وينتهي بقوله: بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.وقبل الدعاء اعتصام حزب البحر، وبعده اختتام حزب البحر.ينظر دعاء حزب البحر مع دعاء سرياني ص: 2-20، وملحق بكتاب ((خدائي ته جڑا)) ص: 171، دلائل الخيرات محمد سليمان الجزولي ص: 217 (الهامش).
( ) الصوفية: نسبة إلى التصوف وهم الذين يتوخون تربية النفس و ألـمّوا بها بغية الوصول إلى معرفة الله بالكشف والمشاهدة لا عن طريق التقليد والاستدلال حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الهندية والفارسية واليونانية المختلفة، ينظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة لمانع الجهني1/253.
( ) كتاب((خدائي ته جڑا)) لمترجم معز الدين قادري ص:171.
( ) كتاب((خدائي ته جڑا)) لمترجم معز الدين قادري ص:(172-173).
( ) ومن أمثلة استدلالهم بالكشف ما قال بِيْر (المرشد) سيف الرحمن مستدلا بكشف أحد مريديه على صدقه في الأمور كلها: إن جزء الأول من اسم بير سيف الرحمن (سيف) والثاني (الرحمن) فقد كشف له من الجزء الأول(سيف)أنه يكسر كل باطل في الدنيا ويفنيه، وشاهد في الجزء الثاني(الرحمن) أنه يرفع أرواح الناس فوق العرش في المراتب وهذه هي الخوارق الاسمية له وهذا (السيف) هو السيف الذي بواسطته قُطِع رقاب المشركين يوم جهاد بدر، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن هذا(السيف)هو روح سيفي؛ لأنه لا يمكن للباطل أن يقوم مقابل هذا (السيف)في الدنيا، ومن خوارق هذا(السيف)أن مريدي هذا الشيخ(المرشد)من شدة الحب له يقدمون له رؤوسهم فداء له، ومن الخوارق في(الرحمن)أنه مشارك لله(اشتراكا اسميا)ومسطر على العرش وقائم به ولا تشككوا في هذا...ينظر: هداية السالكين لسيف الرحمن ص:(328).
الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:117_120).