الاعتماد على المرويات الواهية والموضوعة والاستدلال بها.

الفرع السابع: الاعتماد على المرويات الواهية والموضوعة والاستدلال بها.
إن من أسباب الانحرافات العقدية وغيرها، الاستدلال بالمرويات الواهية؛ وذلك لجهل بعض الناس بعلوم الحديث حيث لا يميّز الضعيف والموضوع من غيرها؛ فيستدل بالمردود من الضعيف، والموضوع، كما يستدل بالمقبول من الحسن، والصحيح.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: ((من المعلوم أن المعظِّمِين للفلسفة والكلام، المعتقدين لمضمونها- هم أبعد عن معرفة الحديث، وأبعد عن اتباعه، وهذا أمر محسوس؛ بل إذا كَشَفْتَ أحوالهم، وجدتَهم من أجهل الناس بأقواله  وأحواله وبواطن أموره وظواهرها، حتى إنك لتجد كثيرا من العامة أعلم بذلك منهم، ولتجدهم لا يميّزون بين ما قاله الرسول  وما لم يقله؛ بل قد لا يُفَرِّقون بين حديث متواتر عنه، وحديث مكذوب عليه، وإنما يعتمدون في موافقته على ما يوافق قولهم، سواء كان موضوعا أو غير موضوع، فيَعْدِلون إلى أحاديث يعلم خاصة الرسول  بالضرورة اليقينية أنها مكذوبة عليه، عن أحاديث يعلم خاصته بالضرورة اليقينية أنها قوله، وهم لا يعلمون مراده؛ بل غالب هؤلاء لا يعلمون معاني القرآن فضلا عن الحديث؛ بل كثير منهم لا يحفظون القرآن أصلا، فَمَنْ لا يحفظ القرآن، ولا يعرف معانيه ولا يعرف الحديث ولا معانيه، مِنْ أين يكون عارفا بالحقائق المأخوذة عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟!))( )[1].
وقد يعرف أحدهم أن الدليل واهٍ جدا، ولكن يستدل به ليثبت به ما يعتقده، أو تعوّد عليه من الرسومات والعادات.
وكل هذه المرويات الواهية من الموضوع والضعيف ونحوهما تُرْوَى؛ لخداع البسطاء والعامة والجهلة، ولتحقيق مآرب علماء السوء، وسدنة الأضرحة ومن شابههم في أكل أموال الناس بالباطل, وأمثال هؤلاء يهدمون صرحَ التوحيد الشامخ، ويصطادون لأنفسهم الفريسة بتلك الروايات الواهية.
ومن أمثلة هذا: الاستدلال بالحديث الموضوع(( إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور)( )[2] فيستدل بهذا على الاستمداد من الأموات، والاستغاثة بهم في الملِمَّات.
ومن أمثلة الاستدلال بالحديث الضعيف استدلالهم بـ(...تعرض أعمالكم عليَّ فإن رأيت خيراً حمدت الله، وإن رأيت غير ذلك استغفرت لكم)( )[3]فيعتقد بعض المسلمين أن الأعمال تعرض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يستغفر للمذنبين، واستغفاره ودعاؤه لا يرد؛ فيتمادى في غيه وضلاله، ويزيد انحرافه.
ولكن((أمثال هذه الأحاديث- كما هو معلوم- لا يبنى عليها حكم، ولا تجعل أصلا في التشريع أبداً، ومن جعلها كذلك؛ فهو جاهل أو مخطئ في نقل العلم، فلم ينقل الآخذُ بشيء منها عمّن يُعتد به في طريقة العلم، ولا طريقة السلوك))( )[4].
وهذه النماذج غيض من فيض مما يدل على جهل بعض الناس بعلوم الحديث الذي ينتج منه الانحرافات العقدية المتعلقة بتوحيد العبادة وغيره، والله المستعان.

الهوامش:

( )[1] مجموع فتاوى ابن تيمية4/95.
( )[2] نقله حمد الله الداجوي في كتابه البصائر لمنكري التوسل بالمقابر ص: 44، وهو موضوع، حتى إن الداجوي نفسه قال في صفحة :28، (( وهو ليس بحديث كما يتوهم)) ، وقال ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوي11/293: (( إنما هذا وضع من فتح باب الشرك)) ، وقال في 1/356:(( هذا الحديث كذب مفترَى على النبي  بإجماع العارفين بحديثه، لم يروه أحد من العلماء بذلك، ولا يوجد في كتب الحديث المعتمدة)).
( )[3] البصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر للداجوي ص: 51، 71، وقال السيوطي في الجامع الصغير: ضعيف3/400.
( ) [4]الاعتصام للشاطبي1/225.

الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:110_113).