تجزئة الشريعة والأخذ ببعض النصوص دون بعض.

الفرع الخامس: تجزئة الشريعة والأخذ ببعض النصوص دون بعض.
من أسباب الانحرافات العقدية عموماً، والمتعلقة بتوحيد العبادة خصوصاً، تجزئة نصوص الشريعة والأخذ ببعضها دون البعض، فيزعمون أن النص الذي دل على مسألة معينة، يدل على نفي ما سواها، وهذا من عادة المنحرفين عموماً، وأما منهج أهل السنة والجماعة فهو الأخذ بجميع النصوص الواردة في كل مسألة من المسائل.
ومن أمثلة التجزئة: ما ورد من الأدلة في فضل أهل البيت فيأخذ به الرافضة( ) [1]ويتركون الأدلة التي وردت في فضل غيرهم.
ومن أمثلة الأخذ ببعض النصوص دون البعض: قال بعض الناس في حديث الشفاعة العظمى( )[2]: (( وفي ذلك أدل دليل على ندب التوسل والاستغاثة بهم[أي بالأنبياء] في الدنيا والآخرة))( )[3].
والاستدلال بهذا الحديث على جواز الاستغاثة من الأنبياء في الدنيا والآخرة، وترك النصوص الأخرى التي تحرم الاستغاثة بغير الله( )[4]من أسباب الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة.
وكذا قالوا في قول الله تعالى:    • ( )[5]: إن((هذه الآية تدل على جواز بناء المسجد يُصلَّى فيه عند مقابر أولياء الله قصدا للتبرك بهم))( )[6]؛ وجهلوا أن هذه حكاية من الله تعالى عن قولهم، وليس تقريرا لفعلهم؛ لأن أولئك الجهلة تركوا النصوص الأخرى الصريحة في منع بناء المساجد على القبور، كحديث((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))( )[7].
وكحديث ((...ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك))( )[8].
ويرى البعض استغناء الناس بالقرآن الكريم عن السنة النبوية كالقرآنيين( )[9].
وقد حذّر الصادق المصدوق ، عن التمسك بالقرآن وحده وتر ك السنة في قوله: ((لا ألفينّ أحدكم متكئاً على أريكته( )[10]يأتيه أمر مما أمرت به، أو نهيت عنه فيقول لا أدري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه))( )[11].
وقال : ((ألا إني أتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أتيت القرآن ومثله معه))( )[12].
((ولا ريب أن كل متمسك بالسنة فهو -لا محالة- متمسك بالقرآن؛ إذ لا يتصور أن يكون المرء متمسكا بأحدهما دون الآخر؛ لأن من فرّط في التمسك بالسنة، فقد فرّط في التمسك بكتاب الله الذي جاء فيه:           •   •    ( )[13]))اهـ( )[14].

الهوامش:

( ) [1]الرافضة: هم الذين رفضوا إمامة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- الملل والنحل للشهرستاني 1/155، ويطلق بعض العلماء إطلاق الرافضة على فرقة الإمامية الاثني عشرية كالأشعري -رحمه الله- في مقالات إسلاميين1/88، وابن حزم -رحمه الله- في الفصل4/157.
( )[2] الحديث بطوله في صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرقاق باب صفة الجنة والنار 11/508 (ح6565)، وصحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب الإيمان باب حديث الشفاعة 3/51 (ح474).
( )[3] ((اختلافي مسائل كاحل)) لمحمد أشرف چشتی ص:27.
( ) [4]وذلك كقوله تعالى:  •        سورة الجن(18)، وقوله تعالى:             [الأعراف(197)].
( ) [5]سورة الكهف21.
( )[6] الوسيلة لهمايون رشيد ص: 70.
( )[7] صحيح البخاري مع الفتح كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور3/255 (1330)وصحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور5/15، 16 (ح1184، ح 1186).
( ) [8]صحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور 5/17 (ح1188).
( ) [9]القرآنييون: فرقة يسمون أنفسهم بأهل الذكر والقرآن، يتـركون السنة، ويفسرون النصوص بعقولهم، ظهرت على يد محب الحق العظيم آبادي وعبد الله جَكروالي في غربي الهند بلاهور قبل تقسيم القارة الهندية.ينظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة لإلهي بخش ص: 19 وما بعدها، والقرآن الكريم ومنـزلته بين السلف ومخالفيهم لمحمد هشام الطاهري2/1141 وما بعدها.
( ) [10]الأريكة:كل ما اتُّكِئَ عليه من سرير، أو فرش، أو منصّة. النهاية لابن الأثير1/53.
( )[11] أبو داود كتاب السنة، باب لزوم السنة ص:831(ح4605)وقال الألباني صحيح.ينظر صحيح سنن أبي داود للألباني3/118.
( ) [12]أبو داود كتاب السنة، باب لزوم السنة ص:831(ح4604)وقال الألباني صحيح.يُنظر: صحيح سنن أبي داود للألباني3/117-118، ومسند أحمد4/131 وقال محققو المسند إسناده صحيح رجاله ثقات يُنظر: المسند المحقق بإشراف الأرنؤوط28/411(ح17174).
( )[13] سورة الحشر(7).
( )[14] المبتدعة وموقف أهل السنة منهم لمحمد يسري ص: 106.
الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:105-107).