عدم فهم الدليل، ووضعه في غير موضعه

الفرع الثالث: عدم فهم الدليل، ووضعه في غير موضعه.
إن من أسباب الانحرافات عموماً، والانحرافات العقدية خصوصا، والانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة بالأخص، أنه قد لا يفهم الرجل دليلاً؛ فيضعه في غير موضعه، ويستدل به على ما لا يدل عليه، ومن أمثلة ذلك ما استدل به البعض من قوله تعالى:                          ( ) [1]على جواز طلب الاستغفار من النبي  بعد وفاته( )[2].
وجعل البعض قوله تعالى:                •     ( )[3] أنه يدل على جواز التوسل بالذوات الفاضلة، ولو بعد وفاتهم( )[4].
وقالوا: ((يجوز التوسل في الدعوات بالأنبياء والصالحين من الأولياء والشهداء في حياتهم وبعد وفاتهم))( )[5].
وحتى قال بعضهم: ((إنا لا نطيل القول في هذا الموضوع، موضوع التوسل بالأحياء والأموات من الصالحين، فإن جواز ذلك، بل وطلبه أمر يَدِيْنُ به كلُ مسلمٍ في مشارق الأرض ومغاربها؛ لأن المذاهب الأربعة تجيزه، وليس بينها خلاف في ذلك.والأمة الإسلامية كلها لا تخرج عن هذه المذاهب.ولو كان في التوسل أدنى ضرر يعود على المتوسل ما أجمع عليه علماء الأمة الإسلامية متقدموهم ومتأخروهم، وقبلهم رسولهم صلى الله تعالى عليه وسلم))( )[6].
وكذا لم يفهموا معنى حديث Sad

(...وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل؛ حتى أحبَّه، فإذا أحبَبته كنت سمعَه الذي يسمع به وبصرَه الذي يبصر به ويده التي يَبْطِش بها ورجله التي يمشي بها...))( )[7].
فقال أحدهم في معنى قوله: ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل))ولا يتقرب إلي أحد من عبادي بالذي افترضته ولكن يتقرب عبدي إلي دائماً بالنوافل.
ثم قال: والمقصود من الحديث أنه تعالى لما صار وليا لأحد من الناس خُلِقَ في أذن ذلك الشخص طاقةٌ وقدرةٌ يسمع بهما من بعيد، وخُلِق في عينيه قدرةٌ وطاقةٌ يبصر بهما من بعيد، وخُلِق في يديه قدرة وطاقة يُمسك ويَبطش بهما من بعيد، وخُلِق في رجليه طاقةٌ وقدرةٌ يقطع بهما مسافة بعيدة في لحظة واحدة، والله لا يكون أذنين لأحد، ولا عينين لأحد، ولا رجلين لأحد، ولكن الله يجعل له فيها قدرة وطاقة لا تكون لغيره من الناس العادييّن ويقال لهذا كرامة...
ثم قال: وقد بيّن عبد الرحمن بابا( )[8]هذه الكيفية بقوله:
چي په يو قدم تر عرشه پوري رسي *** ما ليدلي دي رفتار د درويشانو))( )[9].
والترجمة: ويصلون بخطوة واحدة إلى العرش *** أنا رأيت سرعة سير الدراويش.
ومن هنا يزيد انحرافهم في شأن الأولياء فيعتقدون أنهم يتصرفون في الكون, ويتحركون في العالم يمينا وشمالاً، وإن استغاث به أحد وصل له في اللحظة؛ فيستغيثون بالأولياء والصالحين أمواتا وأحياءً والعياذ بالله.

الهوامش:

( )[1] سورة النساء64.
( )[2] البصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر للداجوي ص: 248، والفائدة الجميلة في الاستعانة والوسيلة إفادات غلام محمد ص:33، 34، أنوار الإيمان لمطيع الله ص:812، والوسيلة لهمايون رشيد ص:5-6محيلا إلى كتاب ((تبليغي نصاب)) (المنهج التبليغي) فضائل حج ص: 103.
( ) [3]سورة الإسراء57.
( )[4] ((اختلافي مسائل كاحل)) لمحمد أشرف چشتی ص: 28، والبصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر للداجوي ص: 49, وكتاب ((رد وهابي)) لمفتي محمود البشاوري ص: 34.
( ) [5]المهند على المفند لخليل أحمد السهارنفوري ص:23-24، البصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر للداجوي ص:57.
( )[6] غوث العباد ببيان الرشاد لمصطفى الحمامي ص: 307.
( ) [7]صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرقاق باب التواضع11/414 (ح6502).
( ) [8]عبد الرحمن بابا: هو عبد الرحمن بن عبد الستار الأفعاني ، شاعر، صوفي، أكثر شعراء الأفغان شهرة، له ديوان بلغة البشتو، ولد في قرية ((بهادر كلي)) من قري المجاورة لبشاور عام 1042هـ وبها توفي عام 1128هـ. يُنظر: الأدب الأفغاني الإسلامي لـ د. محمد أمان صافي ص: 166وما بعدها.
( ) [9]أنوار الإيمان لحافظ مطيع الله ص:830-831.

الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:99-102).