أسباب الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة

المطلب الأول
أسباب الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة
الأسباب جمع السبب، والمراد بالسبب هنا: ما يكون مفضيا إلى الشيء مطلقاً( )[1]، وبعبارة أخرى: ما يكون مؤثرا في وجود الشيء( )[2]، وقد نعبر عنه في هذا البحث بالعامل، لأن ذلك أيضا يفيد المعنى الذي نريده هنا.
إن للانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة عواملَ عديدة، وأسباباً متنوعة، ومعرفة تلك الأسباب والعوامل، يسهّل سبل المعالجة لكثير من الانحرافات، كما أن معرفة تلك العوامل يسدّ باب كثير من الانحرافات المتوقع حدوثها نتيجة لتلك العوامل والأسباب.
وللانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة أسباب مختلفة، وسأبيّن هنا أبرز تلك الأسباب؛ ليحذر المسلمون من نتائجها الوخيمة التي نتجت من تلك الأسباب فيما مضى من الزمن؛ فيجتنبوها فيما بعد؛ لأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين( )[3]. وهذه الأسباب والعوامل كثيرة منها:
1- الجهل وهو أمها، وأهمها.
2- الإفراط والتفريط.
3- عدم فهم الدليل، ووضعه في غير موضعه.
4- بُعْدُ بعض الناس، وإبعاد غيرهم عن العمل بالقرآن والسنة.
5- تجزئة الشريعة والأخذ ببعض النصوص دون بعض.
6- الإعراض عن فهم السلف الصالح والتفسير بالمأثور.
7- الاعتماد على المرويات الواهية والموضوعة والاستدلال بها.
8- الاعتماد على المنامات والأحلام والاستدلال بها.
9- الاعتماد على الكشف والمشاهدات والاستدلال بها.
10- الاعتماد على الحكايات والقصص والاستدلال بها.
11- الغلوّ في تعظيم الأشخاص وأقوالهم.
12- اتباع الهوى والطمع المادي والمعنوي.
13- تأثر العلماء بعلم الكلام والمنطق.
14- تحريف نصوص الكتاب والسنة لفظاً أو معنىً.
15- عدم الأخذ بأخبار الآحاد في العقائد.
16- جهود علماء السوء في نشر الباطل.
17- تعوّد بعض الناس على بعض الانحرافات يصعب إقلاعهم عنها.
18- جهود بعض الدول والمؤسسات في ترويج الانحرافات.
19- وسائل الأعلام الداخلية والخارجية.
20- تعظيم الآثار، والمشاهد، والقبور.
21- تقليد غير المسلمين والتأثر بعاداتهم.
هذه وغيرها من أسباب الانحرافات العقدية، وخاصة المتعلقة منها بتوحيد العبادة، وهذه وإن كانت متداخلة بعضها في بعض، إلا أنني سأفرد كلا منها بفرعٍ مستقلٍ؛ لتتضح أكثر، ويسهل اجتناب أخطارها، فأقول، وبالله التوفيق.

الفرع الأول: الجهل.
الجهل لغة:نقيض العلم وضده( )[4].
واصطلاحاً: ((عدم العلم عما من شأنه أن يعلم))( )[5].
قال ابن القيم-رحمه الله-في معرض بيان أسباب وقوع بعض الناس في شرك القبور والأضرحة: ((فإن قيل: فما الذي أوقع عبّاد القبور في الافتتان بها، مع العلم بأن ساكنيها أموات لا يملكون لهم ضرّا ولا نفعَّا، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً ؟
قيل: أوقعهم في ذلك أمور منها: الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسولَه  بل جميعَ الرسل من تحقيق التوحيد، وقطع أسباب الشرك، فَقَلَّ نصيبهم جدّاً من ذلك، ودعاهم الشيطان إلى الفتنة، ولم يكن عندهم من العلم ما يُبطل دعوتَه، فاستجابوا له بحسب ما عند هم من الجهل، وعُصموا بقدر ما معهم من العلم))( )[6].
وأكبر خطورة هو الجهلُ بعقيدة السلف، فالذين جهلوا عقيدة السلف الصالح، إذا رأوا أمراً يخالف ما اعتادوه؛ ولو كان من المسلَّمَات في عقيدة السلف الصالح لم يأخذوا به، بل ذهبوا إلى ما عليهم من الرسومات، والعادات، والبدع، ويعتبرون الحق الذي عليه سلف الأمة وأئمتها بدعة( )[7] ومخالفا للإجماع –بزعمهم-( )[8].
ومن أوضح الأمثلة على تركهم الحق: ذهابهم إلى ما اعتادوه من الاحتفالات بمولد النبوي( )[9]والاستمداد من الأموات( )[10] وترويج السحر والكهانة( )[11]، وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد.

الهوامش

( )[1] الكليات للكفوي ص: 503، ولسان العرب4/460.
( ) [2]دستور العلماء للقاضي الأحمد النكري2/162.
( ) [3]ورد في حديث صحيح ((لا يُلدغ المؤمن من جُحر واحد، مرتين))متفق عليه ينظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب الأدب باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين10/650 (ح6133)، وصحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب الزهد باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين18/324 (ح7423).
( )[4] مجمل اللغة لابن فارس1/201، ومختار الصحاح للرازى ص: 49.
( ) [5]الكليات للكفوي ص: 350.
( ) [6]إغاثة اللهفان لابن القيم 1/394.
( )[7] كالرد على من يتوسل بالأنبياء والأولياء بعد موتهم.ينظر: البصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر لحمد الله الداجوي ص: 256، والوسيلة لسيد همايون رشيد ص:72، وتسهيل البصائر لكفاية الله الداجوي ص: 464.
( ) [8]الوسيلة لسيد همايون رشيد ص:72, والبصائر لمنكري التوسل بالمقابر للداجوي ص:221.
( ) [9]درر الفرائد لغلام حيدر ص: 236، أنوار الإيمان لحافظ مطيع الله ص: 740، و((جشن عيد ميلاد النبي )) لسيد همايون رشيد ص: 6وما بعدها، و((اختلافي مسائل كاحل)) لمحمد أشرف چشتی ص: 97.
( ) [10]كتاب((رد وهابي)) لمفتي محمود البشاوري ص: 32 -36، ودرر الفرائد لغلام حيدر ص:166، والبصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر للداجوي ص: 60.
( )[11] كتاب(( مجرب عمليات)) لمحمد نديم الصوفي وكتاب كنـز الحسين لغلام رسول روال، وكتاب شمس المعارف لعلي البوني وغير ها من الكتب التي تروّج السحر والكهانة.

الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:94- 97)