الفرع الخامس: أنواع العبادة
عبادة الله نوعان: عامة، وخاصة ( )[1].
فالعبادة العامة: هي عبادة أهل السماوات والأرض، كلهم مؤمنهم وكافرهم، بأنهم مسخّرون، ومملوكون، وهذه العبادة متعلقة بربوبية الله ، وهي المقصودة في قول الله تعالى: ( )[2].
وحقيقة هذه العبادة هي الخضوع لأمر الله الكوني طوعا أو كرها، فجميع من في السماوات والأرض خاضعون, ومستسلمون، وقانتون( )[3].
العبادة الخاصة: وهي العبادة الطاعة والمحبة و إتباع الأوامر، المتعلقة بالإلهية، وهي المأمور بها في قوله : ( ) [4].
وحقيقة هذه العبادة الخضوع لأمر الله الشرعي رغبة، ورهبة, ومحبة, وتعظيما( )[5].
وكل ما تقدم في المعنى الشرعي للعبادة وأركانها وشروطها، هي كلها للعبادة الخاصة؛ لأن العبادة إذا أطلقت من غير قيد يقصد بها العبادة الخاصة غالبا.
والعبادة الخاصة تشمل الدين كله، و هذه العبادة ليست محصورة في أركان الإسلام؛ بل جميع شعب الإيمان تدخل تحت مسمى العبادة( )[6].
وحصر أنواع العبادة الخاصة كلها أمر فيه صعوبة كبيرة؛ لكثرة الأفعال، والأقوال، والإرادات، والاعتقادات التي يطلق عليها اسم العبادة.
والعلماء-رحمهم الله-قسموا تلك الأنواع إلى مجموعات، باعتبارات مختلفة ليسهل إدراك أنواع العبادة كلها.
فبعضهم قسمها إلى عبادة مالية، وعبادة بدنية، وعبادة مركبة منهما، فالمالية كالزكاة، والبدنية كالصلاة، والمركبة منهما كالحج والعمرة،( )[7].
وبعضهم قسّمها إلى الباطنة والظاهرة:
فالباطنة هي الأعمال القلبية التي بطنت كالمحبة، والخوف، والرجاء، ونحوها.
والظاهرة هي التي ظهرت على الجوارح كالدعاء والذبح، والنذر ونحوها( )[8].
وبعضهم قسمها إلى عبادات قلبية، وعبادات لسانية, وعبادات بدنية( )[9].
وبعضهم قسمها إلى عبادات لفظية، وعبادات بدنية، وعبادات مالية، وعبادات اعتقادية( )[10].
وزاد بعضهم قسماً آخر وهو عبادات مركبة من قولية، وبدنية، ومالية كالحج( )[11].
وقسمها البعض إلى عبادات أمر الله باعتقادها، وعبادات أمر الله بفعلها أو التعبد لله بالكف عن عملٍ( )[12].
واخترت من بين هذه التقسيمات تقسيم العبادة إلى ثلاثة أنواع:
1- عبادات قلبية. 2- عبادات لسانيه. 3- عبادات بدنية.
وذلك لنصِّ كثير من علماء الأمة وسلفها في تعريف الإيمان بأنه: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح( )[13]، والعبادة تشمل الدين كله كالإيمان.
ولذا عرف ابن حبان( )[14]-رحمه الله- العبادة بالإيمان، فقال: ((عبادة الله: إقــرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح))( )[15].
وسيكون الكلام -إن شاء الله- عن الانحرافات المتعلقة بكل نوع من أنواع العبادة في باب مستقل، ثم يكون بيان موقف الإسلام من تلك الانحرافات، وبالله التوفيق، وهو خير الرفيق.
الهوامش
( )[1] معارج القبول للحكمي1/341, والقول المفيد لابن عثيمين1/10.
( )[2] سورة مريم(93).
( )[3] مجموع فتاوى ابن تيمية1/45.
( )[4] سورة النساء(36).
( )[5] مجموع فتاوى ابن تيمية1/45.
( )[6] تذكر الكتب التي تعتني بذكر شعب الأيمان جملة كبيرة من العبادات كالجامع لشعب الإيمان للبيهقي.وشعب الإيمان للقصري، وشعب الإيمان للصاعرجى وغيرها.
( )[7] الدر المختار مع رد المحتار لابن عابدين الحنفي2/657-658.
( )[8] جهود الشافعية للعنقري ص:203.
( )[9] مدارج السالكين لابن القيم1/109.
( )[10] صيانة الإنسان عن وسوسة الدحلان، للسهسواني ص157-158.
( )[11] جهود علماء الحنفية لشمس الدين الأفغاني1/330.
( )[12] آداب الدنيا والدين للماوردي ص:95.
( )[13] الإبانة لابن بطة 2/807، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي1/535، والتعريفات الاعتقادية لسعد آل عبد اللطيف ص:78.
( )[14] ابن حبان: هو محمد بن حبان بن أحمد بن حبان البستي، محدث، حافظ، مؤرخ، فقيه، ولد270هـ وتوفي354هـ تذكرة الحفاظ3/92رقم879 .
( )[15] صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان تحقيق الأرنؤوط1/442، ونقله عنه ابن حجر في الفتح 11/412(ح6500).
الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:83-86)؟