الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن من أصول الإيمان وأركانه العظام الإيمان باليوم الآخر يوم الحشر والنشور، حيث يحشر الله فيه الخلائق ويجمعهم للحساب والجزاء، وهو وحده سبحانه يحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم دون سواه، وهو أمر لا يخفى على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر...
ومن فروع عقيدة الإيمان باليوم الآخر: الاعتقاد الجازم بعدم رجوع الأموات إلى الدنيا كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، فالقرآن الكريم لم يذكر رجعة ولا بعثا إلا في يوم القيامة كما قال تعالى: ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ [المؤمنون: ١٦] وهكذا السنة النبوية الشريفة.
ولكن الإمامية زعموا خلاف ذلك، فقالوا برجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة لمحاسبتهم ومن ثم تعذيبهم على أيدي بعض أئمتهم؛ لتشفّي غيظهم وغيظ شيعتهم.
وقد أطبقوا على هذه العقيدة قديما وحديثا، وعدوا ذلك أصلا من أصول مذهبهم، وحرفوا لأجلها الآيات القرآنية الدالة على المعاد والحشر وأحوال اليوم الآخر.
وتذكر كتب التاريخ والمقالات أن أول من قال بعقيدة الرجعة هو عبد الله بن سبأ اليهودي وذلك لهدف زعزعة عقائد المسلمين وبث الفرقة بينهم، وقد كان ابن سبأ حاملا هذه العقيدة وغيرها من العقائد الفاسدة من اليهودية؛ حيث إن من عقائد اليهود قولهم برجعة بعض الأموات إلى الدنيا بعد فراقهم منها( ).
وقد كان ابن سبأ يقول في بادئ الأمر برجوع النبي صلى الله عليه وسلم ويستدل له برجوع عيسى عليه السلام وكان يقول إن قول الله تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭼ [القصص: ٨٥] يدل على رجوعه، ولما وجد لهذه المقالة الخبيثة قبولا في أذهان بعض الغفلة وضعاف العقول، انتقل إلى مرحلة أخرى، وهي قوله برجوع علي بن أبي طالب رضي اللله عنه، إلا أنه لم يقل بموته، بل قال بغيابه واختفائه، وهو بذلك يدّعي نصرته ومحبته.
وقد تبعه على هذه المقالة ونظائرها أناس سموا في كتب التاريخ والمقالات بالسبئية، وبذلك تكون السبئية هي أول فرقة قالت بعقيدة رجعة النبيّ والإمام، وهكذا تلقف عنهم شيوخ الرافضة هذه المقالة وطوروها -كما ستأتي- وبذلك كان التشيع مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية أو ديانة أخرى، وفيما يلي ذكر نماذج من أقوال المؤرخين وعلماء الفرق والمقالات من كتب أهل السنة وكتب الإمامية لإثبات هذه الحقيقة، فأبدأ أولا بذكر أقوال علماء أهل السنة في ذلك:
قال ابن جرير الطبري في تاريخه: ((كان عبد الله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء، أمه سوداء، فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر( ) فقال لهم: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذّب بأن محمدا يرجع، وقد قال الله: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭼ فمحمد أحق بالرجوع من عيسى...فقُبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها...))( ).
وذكر أبو الحسن الأشعري أن عبد الله بن سبأ وفرقته السبئية ((كانوا يزعمون أن عليا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا...والسبئية يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا...))( ) .
وقال أبو المظفر الإسفراييني( ) إن عبد الله بن سبأ قال برجعة علي رضي الله عنه بعد موته فلما قتل علي قال عبد الله بن سبأ: إن عليا حي لم يقتل، ولم يمت، وإنما الذي قتل شيطان تصور بصورته وتوهمت الناس أنه قتل كما توهم اليهود والنصارى أن المسيح قتل...وكان ابن السوداء رجلا يهوديا، وكان قد تستر بالإسلام أراد أن يفسـد الدين على المسلمين...والعجب من هؤلاء -يقصد السبئية وأتباعهم- يلعنون ابن ملجم، ويزعمون أن الذي قتله كان شيطانا، ومن قتل شيطانا كان محمودا، فكيف يلعنونه مع هذه العقيدة؟!( ).
وذكر الشهرستاني أيضا ( ) أن عبد الله بن سبأ هو أول من زعم أن عليـا رضي الله عنه لم يمت وأنه سينـزل إلى الأرض فيملأها عدلا كما ملئت جورا، وأظهر هذه المقالة بعد انتقال علي رضي الله عنه واجتمعت عليه جماعة سموا بالسبئية، وهم أول فرقة قالت بالغيبة والرجعة( ).
ووصف الحافظ ابن كثير فكرة ابن سبأ هذه بقوله: ((كان يهوديا فأظهر الإسلام، وسار إلى مصر، فأوحى إلى طائفة من الناس كلاما اخترعه من عند نفسه، مضمونه أنه يقول للرجل: أليس قد ثبت أن عيسى ابن مريم سيعود إلى هذه الدنيا؟ فيقول الرجل: نعم، فيقول له: فرسول الله أفضل منه، فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا، وهو أشرف من عيسى بن مريم...فافتنن بشرٌ كثير من أهل مصر))( ).
وأشار ابن تيمية إلى هذه الحقيقة فقال -وهو يتحدث عن فرق الشيعة-: ((ومنهم صنف يقال لهم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون أن عليا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فهم يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا))( ).
وبعد أن تقرر من النقول السالفة الذكر أن عقيدة الرجعة اخترعها عبد الله بن سبأ ثم تبعه عليها أتباعه السبئية، تجدر الإشارة إلى اعترافات بعض علماء الإمامية بهذه الحقيقة التاريخية من باب العدل والأمانة:
قال النوبختي من أعلامهم في القرن الثالث الهجري -وهو يتحدث عن السبئية ومؤسسها- إنهم قالوا: ((إن عليا لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف( ) بعد النبي وأول من قال بالغلو، وهذه الفرقة تسمى "السبئية" أصحاب عبد الله بن سبأ...))( ).
وقال أيضاً: ((ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي عليٍّ بالمدائن، قال للذي نعاه: كذبتَ لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلا لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتـل
ولا يموت حتى يملك الأرض))( ).
وقال ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة في تقرير ذلك: ((فلما قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أظهر ابن سبأ مقالته، وصارت له طائفة وفرقة يصدقونه ويتبعونه، وقال لما بلغه قتل علي: والله لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرّة لعلمنا أنه لم يمت، ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، فلما بلغ ابن عباس ذلك قال: لو علمنا أنه يرجع لما تزوجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه)) ( ).
فهذه هي أقوال بعض علمائهم المعتبرين لديهم في إبانة ما أردنا التوصل إليه من أن مؤسس فكرة الرجعة هو عبد الله بن سبأ اليهودي العدو الماكر، فبم يحكم المنصفون من الشيعة على هذه الفكرة؟!!
ويلاحظ مما تقدم من النقول أن ابن سبأ كان يقصر فكرة الرجعة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب بينما أتباعه السبئية هم الذين قالوا برجعة غيرهما من الأموات دون تحديد، وقد تلقف هذه المقالة جابر الجعفي في أوائل المائة الثانية ونشرها إلى أن جاء القرن الثالث الهجري فقرر أهل المائة الثالثة من الإمامية رجعة الأئمة وشيعتهم وأعدائهم تسلية لقلوبهم بهذا الخيال الفاسد.
قال الزنجاني: ((الرجعة عبارة عن حشر قوم عند قيام القائم، ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته، وقوم من أعدائه لينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته، وليبتلوا بالذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته، وهي عندنا تختص بمن محّض الإيمان ومحض الكفر، والباقون مسكوتٌ عنهم))( )، وأشار إلى ذلك شيخهم المعاصر محمد رضا المظفر( ).
وتتلخص أهداف هذه العقيدة ومقاصدها عند الإمامية في ثلاثة أهداف:
1/ الانتقام من أعدائهم( ) وهم جميع المسلمين عدا المستضعفين منهم وكذلك من أهلك بالعذاب في الدنيا( )، وفي مقدمة هؤلاء -كما يزعمون- أبو بكر وعمر وغيرهم من الصحابة الذين يبغضونهم، فقد روى المجلسي بسنده عن أبي عبد الله قال: ((هل تدري أول ما يبدأ به القائم قلت لا، قال: يخرج هذين( ) رطبين غضّين فيحرقهما ويذرهما في الريح..))( ).
2/ ما يحلمون به من أنهم سيبتهجون بقيام دولة قائمهم الموهوم، وأنهم سيكونون في نعيم لا يخطر على البال حتى يكون أكلهم وشربهم من الجنة، ولا يسألون حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا وتقضى لهم ( ).
3/ كذلك سيتحقق في الرجعة -على حدّ زعمهم- حساب الناس على يد الحسين، وفي ذلك افتروا على أبي عبد الله أنه قال: ((إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي، فأما يوم القيامة فإنما هو بعثٌ إلى الجنّة وبعــــثٌ إلى النار))( ).
فهذه هي أهداف الرجعة عند الرافضة بناء على مقتضى نصوصهم ورواياتهم.
والرد على هذه العقيدة في الوجوه الآتية:
من النقل:
1/ قول الله تعالی: ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ [طه: ٥٥].
2/ وقول الله تعالی: ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [يس: ٣١] .
وقد استدل بهاتين الآيتين الإمام أبو المعين النسفي وأبو الثناء الألوسي على بطلان عقيدة الرجعة، فقال أبو المعين النسفي بعد أن ذكر عقيدة الرجعة عند الرافضة: ((وقال أهل السنة والجماعة: كل من مات لا يرجع في الدنيا إلى يوم القيامة؛ لأنه لا يقام عليه دليل، ويدل على صحة ما قلناه قوله تعالى... ثم ذكر هاتين الآيتين ( ).
وقال الألوسي ((ورُدّ بالآية على القائلين بالرجعة كما ذهب إليه الشيعة...وقيل لابن عباس إن ناساً يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، فسكت ساعة ثم قال: بئس القوم لو كان كذلك لما نكحنا نساءه واقتسمنا ميراثه، أما تقـرأون؟...))( ) وتلا هذه الآية .
وقوله: ﭽﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﭼ [المؤمنون: ۹۹-١٠٠].
وقد استدل بهاتين الآيتين القاضي أبو السعود حيث قال: ((وفي الآيتين إقناط كلّي عن الرجعة إلى الدنيا...))( ).
وممن استدل بالآيتين أيضاً الشيخ عبد العزيز الدهلوي حيث قال: ((ولا يخفى أن مناط التمسك ومحطّه إنما هو قوله: ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﭼ فلا يمكن للشيعـة أن يقولــوا: إن الرجعة تستحيل للعمل الصالح لا لقصاص وإجراء الحدّ والتعزيز؛ لما وقع المنع من الرجعة في آخر الآية مطلقاً))( ).
وقال أبو الثناء الألوسي: ((وكيف تصح إرادة الدنيا وفي الآيات ما يأبى ذلك))، وذكر منها هذه الآية، ثم قال: ((فإن آخر الآية ظاهر في عدم الرجعة مطلقاً...))( ).
من العقل:
أوّلاً: من الأدلة الموافقة لأصولهم على بطلان عقيدة الرجعة أن الراجعين لو عُذبوا بسوء أعمالهم بعد رجعتهم ثم أُعيد عليهم العذاب في الآخرة لزم الظلم الصريح، فلا بد أن لا يكونوا معذبين في الآخرة، وبذلك يحصل لهم تخفيف عظيم وراحة أبدية عن العذاب المستمر الدائم، وذلك مناف لغلظة الجناية وعظمة الجرم: ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ [طه: ١٢٧].
ثانياً: إن الخلفاء الثلاثة لم يرتكبوا ما يوجب تعذيبهم إلا غصب الخلافة وبعض حقوق أهل البيت على زعم الشيعة، وذلك الغصب بعد تسليمه غايته أن يكون فسقا أو كفرا، ولا شيء من الكفر والفسق يوجب الرجعة في الدنيا بعد الموت قبل البعث، وإلا يلزمهم أن يعتقدوا رجعة الكفرة والفسقة من أهل الأديان كلهم أجمعين، وبذلك يتبين للعارف المنصف أن هذه العقيدة الخبيثة باطلة على أصولهم أيضا.
ثالثاً: لو كان المقصود من تعذيبهم في الدنيا إيلامهم وإيذاءهم، يكون ذلك حاصلا لهم في عالم البرزخ أيضاً، فالإحياء عبث والعبث قبيح يجب تنزيه الله تعالى عنه.
وإن كان المقصود إظهار جنايتهم للناس، فقد كان الأولى أن يكون إظهار تلك الجناية لمن كانوا معتقدين بحقية خلافتهم وناصرين لهم في زمنهم، فكان الواجب حينئذ أن يُعطى عليٌّ والسبطان ش القدرة على الانتقام منهم والتبرّأ من أفعالهم؛ لكي لا تضلَّ بقية الأمة، وهذا القدر في تأخير الانتقام بعد ما مضى أكثر الأمة، وأتى آخرون لم يطلّعوا على فساد أعمالهم وبطلان أحوالهم لخلافُ الحكمة وفعلِ الأصلح.
وليتَ هذه الأمور تقع في اليوم الآخر حتى يطّلع كلٌّ من الأولين والآخرين على هذا الجزاء والقصاص فيكون لها وجه في الجملة بخلاف وقوعها قبله؛ لأن من يحضر وقت الانتقام من الراجعين إنِ اطّلعوا بذلك على جنايتهم وذنوبهم فلا فائدة فيه؛ لأنه لا يكون في ذلك الوقت من يعرف أبا بكر وعمر ومعاوية ش وغيرهم فيميز أحدَهم عن الآخر، بل لربّما نشأ الاحتمال عندهم أن عدة أشخاص سمّوهم بأساميهم كيزيد وشمّر( ) المجعولَيْن في الأيام العشرة من المحرم للقتل توطئةً لتشفية غيظ قلوبهم.
ولو كان يكفي قول المهديّ والأئمة الآخرين إن فلاناً أبو بكرٍ وفلاناً عمرُ فلماذا لا يقبل قولهم في بطلان أمر خلافتهم وغصبهم وظلمهم وتعذيبهم في البرزخ -معاذ الله- حتى يُحتاج إلى إحيائهم؟!.
رابعاً: يلزم من هذه العقيدة أن يكون القائل بها غير مؤمن بعذاب القبر والآخرة وفضيحة يوم الأشهاد، أو يزعم أن عذاب الدنيا أشدُّ من عذاب القبر والآخرة، وإلا لا فائدة في هذا الإحياء.
خامساً: يلزم على هذا التقدير أنّ النبي والأئمةَ لا بدّ أن يذوقوا الموت مرتين على خلاف العادة، وظاهرٌ أن الموتَ أشدُّ آلام الدنيا، فلِم يجوّز الله سبحانه إيلام أحبّائه عبثاً؟!
سادساً: لو افترضنا رجوع هؤلاء الظالمين -بزعمهم- ليُقتصَّ منهم، فلعلّهم يتوبون قبل تعذيبهم، والتوبة مقبولة في الدنيا حتى لو كانت بعد الرجعة، فبأي مسوّغ حينئذ يكون تعذيبهم؟!
سابعاً: يلزم من هذه العقيدة أن يكون النبي والأئمة أغلظ الناس وأحقدهم وأبعدهم عن العفو؛ حتى إنهم بعد موتهم بمدة طويلة أرادوا أن ينتقموا من أعدائهم -على حدّ زعمهم-، ولعمري إن هؤلاء الحاقدين ظنوا أن النبيَّ وأهله مثلهم في الحقد والعدواة لخيار خلق الله بعد أنبيائه ورسله.
ثامناً: كما يلزم منها إهانة عليٍّ والسبطين ش؛ لأن الله لم يقتصَّ لهم من أعدائهم إلا بعد مضيِّ هذه المدة الطويلة، وذلك حين يُظهر المهديَّ فينتقم لهم بواسطته من أعدائهم! ( ).
ولأجل هذه المفاسد الخطيرة المترتبة على هذه العقيدة فإن علماء الإسلام عدّوا هذه العقيدة من العقائد الكفرية ( ).
وبالجملة: فإن القول بالرجعة حسبما تعتقده الرافضة مما لا ينتهض عليه دليل، وكم من آية في القرآن الكريم تأباه غير قابلة للتأويل، وكأن ظلمة بُغض الصحابة ش حالت بينهم وبين أن يحيطوا علماً بتلك الآيات فوقعوا فيما وقعوا فيه من الضلالات( ).
قال الإمام أبو الثناء الألوسي عن الروايات التي نسبوها إلى الأئمة في إثبات عقيدة الرجعة: ((وكلّ مـا يروونه في ذلك كذب صريح، وفيه القول بالرجعة التي لا ينتهض لهم عليها دليل))( ).
ولشناعة هذه العقيدة فقد نقل الشيخ عبد العزيز الدهلوي إنكار الزيدية من الشيعة( ) لها، وفي ذلك قال: ((والزيدية كافة منكرون للرجعة إنكارا شديدا، وقد ذكر في كتبهم ردُّ هذه العقيدة بروايات الأئمة بالوجه المستوفى، فلا حاجة لأهل السنة إلى ردّ هذه الخرافات...( ).
وبعد: فإن عقيدة الرجعة هي إحدى عقائد الرافضة التي شذّوا بها عن سائر المسلمين، وهي تعبير صريح عما يحملونه في قلوبهم من الغلّ والحقد والعداء للمسلمين عموما وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا، وكل ما رووه في ذلك عن أئمة أهل البيت ش فإنما هو كذب محض وافتراء واضح عليهم، وحاشاهم ثم حاشاهم أن ينطقوا بمثل هذا الكفر والضلال.
أسأل الله لنا ولهم الهداية إلى الحق والرجوع إلى سواء السبيل، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
تحرير: الدكتور عبد الرحمن شاه الأستاذ المساعد بجامعة كابل - أفغانستان
الهوامش:
( ) انظر عقيدة اليهـود في الرجعة حين خروج المسيح المنتظر في: العهد القديم والعهد الجديــد
(الإصحاح: ۲۶، فقرة: ۱۹)، وانظر : الإصحاح: ۶۶، فقره: ۱۲ ، وراجع للاستزادة: بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة باليهود للدكتور عبد الله الجميلي 1/276.
( ) هي إحدى الدول العربية تقع في الركن الشمالي الشرقي لقارة إفريقيا،وفي قلب العالم العربي بين الدول الآسيوية في الشرق والدول الإفريقية في الغرب، ومن أعيان مدنها: القاهرة، الإسكندرية، والمنصورة، والسويس وغيرها، وقد فتحها عمرو بن العاص في خلافة عمر الفاروق. انظر معجم البلدان لیاقوت الحموي ۵/۱۳۷ ..
( ) تاريخ الطبري ۲/۶۴۷ .
( ) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري ص ۱۸.
( ) هو الإمام الفقيه الأصولي أبو المظفر شهفور بن طاهر بن محمد الإسفراييني ثم الطوسي الشافعي، صاحب (التبصير في الدين)، كان أحد الأعلام، توفي بطوس في سنة(۴۷۱هـ). انظر سير أعلام النبلاء ۱۸/۴۰۱ومعجم المؤلفين ۴/۳۱۰ .
( ) التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين ص ۱۰۳ .
( ) هو أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، شيخ أهل الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف التي منها: الملل والنحل، ونهاية الإقدام في علم الكلام، برع في الفقه الشافعي، وقرأ الأصول، ومات في شعبان سنة(۵۴۸هـ). انظر سير أعلام ۲۰/۲۸۶، ووفيات الأعيان۴/۲۷۳.
( ) انظر الملل والنحل ص ۷۴.
( ) البداية والنهاية ۷/۱۶۲.
( ) منهاج السنة ۲/۵۱۰
( ) أي وقف الخلافة على علي بعد وفاة النبي صلی الله علیه وسلم.
( ) فرق الشيعة ص ۴۰.
( ) المرجع السابق.
( ) شرح نهج البلاغة ۵/۷ .
( ) عقائد الإمامية الاثني عشرية ۲/۲۲۸ .
( ) انظر عقائد الإمامية ص ۸۰ .
( ) انظر تفسير القمي ۱/۳۵۸ .
( ) انظر عقائد الإمامية الاثني عشرية للزنجاني ۲/۲۲۸.
( ) أي أبا بكر وعمر.
( ) بحار الأنوار ۵۲/۳۸۶ .
( ) المرجع السابق ۵۳/۱۱۶ .
( ) المرجع نفسه ۵۳/۴۳، أما حساب الناس عندهم يوم القيامة فلا يكون إلا على يد عليّ؛
لأنه قسيم الجنة والنار عندهم"-والعياذ بالله- انظر الأصول من الكافي للكليني ۴/۵۷۰، ۱/۱۹۷،
والاحتجاج للطبرسي ۱/۳۴۱ .
( ) بحر الكلام لأبي المعين النسفي ص ۱۸۸، وانظر المقالات في بيان أهل البــــدع والضلالات لشمس
الدين ابن كمال باشا ص ۱۰۰(ضمن رسائله الخمس في الفرق).
( ) انظر روح المعاني ۲/۶، وانظر قول ابن عباس في تفسير القرطبي ۱۰/۹۵، وقد ذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ۵/۷ .
( ) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السعود ۶/۱۵۶ .
( ) التحفة الاثني عشرية لشاه عبد العزیز الدهلوي ۱/۵۸۹ .
( ) روح المعاني للآلوسي ۲۰/۲۷ .
( ) هو شمر ذي الجوشن أمير السرّية التي قتلت الحسين ، وكان هلاكه على أيدي الجيش الذي بعثه المختار الثقفي الكذاب، سنة(۶۶هـ). انظر البداية والنهاية ۸/۲۷۸ .
( ) انظر هذا الردّ في: التحفة الاثني عشرية ۱/۵۹۱، ومختصر التحفـة الاثني عشرية ص ۲۰۲،
والسيوف المشرقة في أعناق أهل الزيغ والزندقه للدهلوي ص ۶۰۰، والنواقض لظهـور الروافـض لمیرزا مخدوم الخنفی ص ۱۲۴ .
( ) انظر الفتاوى البزازية ۶/۳۱۸، والفتاوى التتار خانية ۵/۵۳۸، وتنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام لابن عابدین ص ۳۵۹، والنواقض لظهور الروافض ص ۱۳۰ .
( ) انظر روح المعاني ۲۰/۲۷ .
( ) روح المعاني ۲۰/۲۲، وانظر بطلان عقائد الشيعة لعبد الستار التونسوي ص ۱۰۴ .
( ) الزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهم يرون أن الإمامة في أولاد فاطمة سواء كانوا من ولد الحسن أو الحسين، ويرون مع ذلك صحة إمامة الشيخين لاعتقادهم صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وقد تتلمذ زيد بن علي على واصل بن عطاء الغزال المعتزلي، ولهذا صارت الزيدية معتزلة في الأصول، وهم فرق كثيرة. انظر الملل والنحل ص ۶۶، ومقالات الإسلاميين ص ۴۷ .
( ) التحفة الاثني عشرية ۱/۵۹۰ ، وراجع روح المعاني ۲۰/۲۷، وانظر مصداق ما ذكره الدهلوي في كتاب: (الإمام زيد) لأبي زهرة ص ۲۱۲ وقد نقل قوله: ((لا رجعة لأحد من الأئمة)).