الفرع الحادي والعشرون: تقليد غير المسلمين في العادات والرسومات.
إن من أسباب الانحرافات عموماً وما يتعلق منها بتوحيد العبادة خصوصاً تأثر بعض المسلمين بعادات وثقافات الديانات والملل الكفرية من اليهودية( )[1]، والنصرانية( )[2]، والهندوسية( )[3]، والبوذية( )[4]، وغيرها.
إن احتكاك المسلمين مع أهل الديانات الأخرى عن طريق الاتصال المباشر أو غير المباشر يؤثِّر على سلوك المسلمين وعاداتهم وعقائدهم.
بل إن بعض من دخلوا في الإسلام كانوا يضمرون في قلوبهم الحقد على الإسلام والمسلمين فدخلوا في الإسلام ظاهرا، ويريدون هدم الإسلام وإفساد أهله باطنا فقاموا ببثّ المعتقدات الفاسدة، حقداً وحسداً على الإسلام وأهله، كابن سبأ اليهودي( )[5] الذي أجج نيران الفتن.
كما أن بعض المسلمين الذي دخلوا في الإسلام من أصحاب الديانات الأخرى بقوا متأثرين بما كانوا عليه من الأفكار والمعتقدات التي كانوا عليها قبل الإسلام، فلم يستطيعوا التخلص من بعض العقائد الفاسدة التي كانوا عليها قبل الإسلام، فروجوا في المجتمع ما اعتادوه، وصبغوه صبغة يظنونها إسلامية.
قال محمد يوسف اللديانوي( )[6]: لقد انتشر الإسلام في الهند بكثرة، ولكن مع الأسف أنه لم يُهْتَمْ بتربية وتعليم هؤلاء المسلمين الجدد؛ لأن الذين تركوا مذهب الهندوسية، لم يتحرروا[تماماً]بدخولهم الإسلام من الرسومات والعادات السابقة.
وبالعكس -بناء على الاختلاط الشديد بينهم والمجتمع الهندوسي- دخلت كثير من عادات ورسومات الهندوس في المسلمين الذين جاءوا من خارج الهند.
وما رُوِّج من العادات والرسومات في الأعراس والزفاف أو أوقات الممات-وتعرفها النساء أكثر من الرجال- كلُّها من جراثيم المذهب الهندوسي( )[7].
ويقول زاهدي أحمد زئي( )[8]: (وبمرور الزمن أُلقِيت الثقافةُ الإسلاميةُ وراء الظهورِ وأُحْيِيَ في الشعب كثير من الرسومات والعادات والبدع السابقة، بالإضافة إلى ما وردت من الرسومات والبدع من النصرانية المنحرفة، والهندوسية، والزردشتية( )[9]، واختلطت عقيدة توحيد شعبنا الصافية بالبدع والرسومات الشركية، وحاولت أن يُبعد شعبنا المؤمن من دينهم الإسلامي( )[10].
ومن أمثلة تأثير المسلمين بعادات وعقائد غير المسلمين: الإطعام عن الميت بعد موته مباشرة أو في الأوقات المحددة، كالإطعام عنه من اليوم الأول إلى الثالث أو السابع، أو الصدقة عنه في اليوم الثالث فقط، أو السابع، أو الأربعين، أو على رأس السنة من موته ونحو ذلك من الأوقات المحددة بوقت معين.
ولكن (صناعة الطعام في بيت الميت للضيافة، سواء كان الآكلون فقراءَ أو أغنياءَ، لا يجوز عند أحد من الناس, وهذه عادة من عادات الجاهلية العربية، وعادات جميع هنادكة( )[11] الهند، وفيه تشبه بالكفار وقد نقلت لكم سابقا حديث((من تشبه بقوم فهو منهم))( )[12])( )[13].
ومن أمثلة التأثر بغير المسلمين: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث يحتفل بها بعض الناس من أجل التسابق مع النصارى حيث هم يحتفلون كل عام بمناسبة ولادة عيسى ؛ فيحتفل هؤلاء بولادة محمد ( )[14].
فهذه جملة من الأسباب التي تسببت في الانحرافات التي تتعلق بتوحيد العبادة، وربما يكون هناك أسباب أخرى؛ وهي إما أنها تدخل تحت عموم هذه الأسباب والعوامل، وإما أنها لا تكون بارزة، أو أني لم أرها سببا مؤثرا في الانحرافات التي تتعلق بتوحيد العبادة، أو لم أطلع عليها مع ما بذلت في ذلك من جهد ووسع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
الهوامش:
( )[1] اليهودية: هي الديانة التي تدين بها العبرانيون المنحدرون من إبراهيم ، والمعروفون بالأسباط وهم أمة موسى وكتابهم التوراة، وكانت هذه الديانة صحيحة لكن الآن باطلة لكونها حرفت ومنسوخة بالإسلام. يُنظر: الملل والنحل للشهرستاني1/210، والأديان والفرق لشيبة الحمد ص: 21.
( )[2] النصرانية: دين النصارى وكتابهم الإنجيل، وهي كانت مكملة لشريعة موسى وهي حرفت على أيدهم ونسخت بالإسلام فهي الآن باطلة. الملل والنحل للشهرستاني1/22، والأديان والفرق لشيبة الحمد ص: 35.
( )[3] الهندوسية: ويطلق عليها البرهمية، ديانة وثنية، وهي مجموعة من التقاليد والعادات والعقائد، يغلب على الظن أن الآريين الذين هاجروا إلى الهند نظموها. الأديان والفرق لشيبة الحمد ص:59.
( ) [4]البوذية: ديانة تنسب إلى رجل أصله من هندوس اسمه(سذهاتا)ويلقب بـ(بوذا)، ثم أتباعه بعد وفاته جعلوه إلها، ودخلت هذه الديانة أفكار جديدة وبعضهم أوصلوا الآلهة عندهم (33) إلها. يُنظر: الأديان والفرق لشيبة الحمد ص: 71وما بعدها.
( )[5] ابن سبأ: هو عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة، ضال مضل, أصله من اليمن كان يهوديا أظهر الإسلام.ينظر لسان الميزان لابن حجر تحقيق محمد المرعشلي4/22رقم الترجمة4618، وميزان الاعتدال للذهبي2/426رقم الترجمة4342.
( )[6] اللديانوي: هو محمد يوسف بن الله بخش الديوبندي ولد عام 1351هـ في من مديرية اللديانة من بنجاب الهند الشرقي وبعد انفصال باكستان من الهند أقام في ملتان.ومن مؤلفاته: ((اختلاف أمت اور صراط مستقيم)) و((قاديانوں كو دعوت اسلام))((حيات عيسى )) وغيره. يُنظر: ترجمته في أكابر علماء ديوبند لمحمد أكبر شاه بخاري ص: 556.
( ) [7](( اختلاف أمت او صراط مستقيم)) للديانوي بالأردية ص: 103وبالبشتو ص135-136.
( ) [8]زاهدي: هو زاهدي أحمد زئي -حفظه الله- من ولاية لوجر بأفغانستان، من الدعاة المعروفين بالمنطقة، ويدرس أيضا في الجامعات والمعاهد والمدارس، وله كتب كثيرة ألف بعضها وترجم البعض الأخر، ويسكن حاليا في بشاور باكستان.
( ) [9]الزردشتية: فرقة تنسب إلى رجل يسمى زردشت بن يورشب ادعى النبوة وصنف كتابا وعرضه على الملك بشتاسب؛ فاتبعه وقهر الناس على ذلك، وبنى بيوت النيران وكان يستحل المحظورات.ينظر: الكامل لابن الأثير1/ 145.
( ) [10]مقدمة كتاب((ناروا بدعتونه)) لزاهدي أحمد زئي صفحة: (ب، ي).
( ) [11]يقصد بالهنادكة أتباع المذهب الهندوسي.
( ) [12]سنن أبي داود كتاب اللباس باب الشهرة،ص:721 (ح4031), قال الألباني: حسن صحيح. يُنظر:صحيح سنن أبي داود للألباني 2/761(ح 3401).
( )[13] ((ناروا بدعتونه)) لزاهدي أحمد زئي ص:79 محيلا إلى الشاه عبد العزيز-رحمه الله-.
( )[14] ((ناروا بدعتونه)) لزاهدي أحمد زئي ص:95.
الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:148-125).