الفرع العشرون: تعظيم الآثار والمشاهد.
إن من أخطر أسباب الانحرافات عموماً، وما يتعلق منها بتوحيد العبادة خصوصاً، تعظيم الآثار والمشاهد المنسوبة إلى الأولياء والصالحين، ولقد كان سبب شرك قوم نوح هو تعظيم آثار الصالحين؛ لأنهم وضعوا صور الصالحين تذكاراً لهم؛ لينشطوا في العبادة.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قول الله تعالى: • ( )[1]((...أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم؛ فَفَعلوا، فلم تعبد؛ حتى هلك أولئك وتَنَسَّخَ العلمُ عُبِدَتْ))( )[2].
وقد حذر النبي أمته في آخر حياته ، فلماّ اشتكى ذَكَرَتْ بعضُ نسائه كنيسةً رأينها بأرض الحبشة، يقال لها مارية، وكانت أم سلمه وأم حبيبة -رضي الله عنهما- أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها، وما فيها من الصور؛ فقال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله))( )[3].
ولكن مع الأسف الشديد أن بعض الناس قلّدوا أولئك، وبنوا على قبور الأولياء والصالحين مساجد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: ((...لتركبن سنة من كان قبلكم...))( )[4].
إن تعظيم مشاهد الأولياء وآثار الصالحين قد تسبب عند بعض الناس في صرف العبادة لهم، من الخشوع والخضوع, والوقوف حافيا متضرعا منكسر البال، وبحالة لا يكون عليها في بيوت الله، ولا في ثلث الأخير من الليل الذي هو أرجى أوقات الاستجابة.
فمن أمثلة ذلك أن منهم من يرجو البركة من الضريح والمقبور( )[5]؛ ومنهم من يتحرى الصلاة عند المشاهد والمقابر( )[6]، ومنهم من يرجو قبول الدعاء عندها( )[7]، ومنهم من يُقبِّلها ( )[8]، ومنهم من يعتكف عند المشاهد والآثار والأضرحة( )[9]، هذا وقد يحصل الشرك الصريح الذي يحصل من بعض الناس كالاستعانة، والاستغاثة بهم( )[10]،...وغير ذلك من الشرك الصريح والعياذ بالله.
ومن أمثلة تعظيم الآثار التي أدت إلى الانحرافات العقدية، التبرك، والتوسل بنقش نعلٍ يسمونه (صورة نعل المصطفى )فيقبّلون ذاك النقشَ الذي يصوّرونه بأنفسهم، ثم يتبركون به، فقد جعلوا طريقة للتوسل به, ثم بينوا آثاره وخاصياته( )[11].
وما أشبه عملهم هذا بصنيع المشركين، حيث كانوا ينحتون ويصنعون الأصنام بأيديهم؛ ثم يعبدونها، وهؤلاء ينقشون النعل ثم ينسبونه إلى النبي ، ثم يتبركون به، ويتوسلون به، ويقبلونه...إلى غير ذلك، يا ليت قومي يعلمون.
ومن الناس من ينسب بعض المشاهد والآثار إلى بعض الأولياء أو الصالحين، وقد لا يكون لها حقيقة أصلا.
الهوامش:
( )[1] سورة نوح(23).
( ) [2]صحيح البخاري مع الفتح كتاب التفسير باب 8/851(ح4920).
( ) [3]صحيح البخاري مع الفتح كتاب الجنائز باب بناء المسجد على القبر3/265 (ح1341), وصحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهى عن بناء المساجد على القبور5/15 (ح1181).
( )[4]أخرجه الترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم بنحوه وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ص:493(ح2180) وأحمد في مسنده 5/218، وقال الألباني: صحيح.ينظر: صحيح سنن الترمذي للألباني2/35 وقال محققو المسند صحيح على شرط الشيخين يُنظر: المسند المحقق بإشراف الأرنؤوط36/225ح21897.
( ) [5]درر الفرائد لغلام حيدر ص:193، الذخائر لأهل البصائر لكفاية الله ص:12.
( )[6] ينظر: الوسيلة لهمايون رشيد ص70.
( ) [7]درر الفرائد لغلام حيدر ص:193.
( ) [8]ينظر: أنوار الإيمان لحافظ مطيع الله ص:796، ومفاتيح الجنان للقمي ص: 518.
( )[9] مقدمة كشف المحجوب ص:22، 23، 27، 28(( جواهر پارے)) ليوسف قريشي ص: 54.
( )[10] كتاب((رد وهابي)) لمفتي محمود البشاوري ص:32-36، ودرر الفرائد ص:166، والبصائر لمنكري التوسل بالمقابر للداجوي ص:60.
( ) [11](( زاد السعيد مع نيل الشفاء بنعل المصطفى)) للتهانوي المترجم معز الله جان ص:51-55.
الموضوع مأخوذ من كتاب موقف الإسلام من الانحرافات المتعلقة بتوحيد العبادة. تأليف أبي سعيد عبد الرزاق بن محمد بشر (ج1 ص:144-147).